لاجئون في بلجيكا معاناة مستمرة تشرد ولا مساعدات.. شوارعها ملجأ لطالبي لجوء
بلجيكا تنضم للدول الأوروبية التي تعاني من تدفق اللاجئين إليها ليس فقط اللاجئين القادمين من خارج الاتحاد الأوروبي ولكن أيضا اللاجئين المرفوضين من دول أوروبيا . بروكسل العاصمة البلجيكية من بين العواصم الأوروبية التي صارت شوارعها ملجأ لطالبي لجوء لم يعد بإمكانهم إيجاد مأوى منذ سنوات.
أعداد اللاجئين ا تتوقف عن الارتفاع في بلجيكا، ولكل لاجئ حكاية فمنهم من وصل بعد رحلة طويلة لأوروبا واتجه لبلجيكا لتقديم اللجوء ومنهم من جاء من دول أوروبية أخرى وهو يحمل الرفض وبصمة دبلن ، لكل منهم حكاية مؤلمة، ولمحمد الشاب ذو الـ 21 ربيعا نصيب من هذا الألم. هذا الشاب الفلسطيني المنحدر من قطاع غرة، يعيش منذ أشهر ورطة مزدوجة، فهو طالب لجوء من الذين تقطعت بهم السبل وسط العاصمة البلجيكية بروكسل، وفي جانب آخر من العالم، ينازع أفراد أسرته للاستمرار على قيد الحياة.
غادر محمد قطاع غزة منذ نهاية 2021، واتجه منها إلى مصر حيث أمضى ما يناهز 3 أشهر، ليغادر جوا إلى تركيا حيث استقر سنة و3 أشهر، دون أن تبدو له حلول تتضمن الاستقرار تلوح في الأفق، ليقرر حينها المرور عبر طريق اليونان وببلغاريا ويخترق الغابات لأسابيع إلى حين وصوله إلى بلجيكا.
حسب تقرير رسمي لفيدازيل، فإن عدد طلبات اللجوء وصل خلال السنة المنصرمة في بلجيكا إلى 35 ألفا و500 طلب، بتراجع نسبته 3 بالمئة مقارنة بالسنة الماضية.
كما أن اللاجئين من مواطني محمد الفلسطينيين، شكلوا نسبة مهمة من هؤلاء اللاجئين حسب الهيئة العامة للاجئين وعديمي الجنسية في عام 2023 داخل بلجيكا، إذ كانت الدول الأصلية الرئيسية لمقدمي طلبات الحماية الدولية في بلجيكا هي سوريا وأفغانستان متصدرتين للائحة، تليهما الأراضي الفلسطينية في المرتبة الثالثة، ثم كل من تركيا وإريتريا كما يوجد من المغرب العربي واليمن .
يقطن محمد اليوم مع طالبي لجوء فلسطينيين آخرين، وحدهم التشرد في شوارع وحدائق بروكسل العمومية، وهواجسهم المستمرة بسبب ما يرد من أخبار التصعيدات في القطاع.
يقول محمد إن لا أحد يلتفت إلى وضعهم هذا سوى بعض المتطوعين التابعين لمنظمات المجتمع المدني التي تحاول إيجاد مأوى لهم وتفتح أبواب بيوت مهجورة لتأويهم من التشرد، كما توفر لهم وجبات خفيفة بين الفينة والأخرى.
أغلب طالبي اللجوء الفلسطينيين ممن التقى بهم محمد، أو من أمضى معهم وقتا طويلا غادروا قطاع غزة قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بعضهم كان مستقرا في تركيا او اليونان لأشهر وغادر مؤخرا، وبعضهم أمضى في بروكسل وقتا طويلا.
الصراع لأجل المأوى!
الصور التي توصل بها مهاجر نيوز من محمد، هي للمنزل المهجور الذي يقطنه رفقة الكثير من المهاجرين وطالبي اللجوء الآخرين، مكنهم من ذلك المتطوعون ممن يساعدونهم على تدبير شؤون يومهم في انتظار حل قانوني لوضعهم.
لكن السلطات، تلاحق طالبي اللجوء عبر عناصر الشرطة في العاصمة، وتخرجهم من هذه البيوت المهجورة التي تأويهم من البرد شتاءا ومن حر شمس الصيف. عن هذا يقول محمد: “كثير من الشباب الذين كانوا معي في بيوت مهجورة قبل هذا، تم اعتقالهم واقتيادهم للسجن لأنهم رفضوا الخروج من المنازل نحو الشارع”.
يوم 22 أغسطس/ آب من السنة الماضية، قدم محمد طلب لجوئه لكنه لم يسمع شيئا عن مآله إلى الآن.
خلال حديثه ، اعترف محمد أن الأوضاع السيئة التي عايشها طوال سنة، جعلته يفكر الآن كما بقية اللاجئين المتواجدين معه في المنزل المهجور، في المغادرة من بلجيكا، بعدما طالت مدة انتظار تسوية وضع لجوئه دون فائدة تذكر. ويقول : “سأتجه نحو ألمانيا، أعرف كثيرين وصلوا إليها وحصلوا على لجوء، لا أدري ما سيكون وضعي لأنهم أخذوا بصمات أصابعي حين طلبت اللجوء هنا، لكن لا بد من حل بديل، لا أستطيع الاستمرار في وضع التشرد هذا”.
ويؤكد محمد أنه حاول ومجموعة من طالبي اللجوء الفلسطينيين الحصول على استشارة أو مساعدة قانونية، لكن “الجميع يطلب منا التواصل مع فيدازيل، المؤسسة المسؤولة عن استقبال طالبي اللجوء في بلجيكا، بيد أن كل ما يقومون به هو توفير مكان للمبيت لليلة أو ليلتين، وأكل ولباس، وبعدها يطلبون منا المغادرة، لأن آخرين كثر يحتاجون أيضا مكانا”.
حينما سألنا محمد إن لم يكن يعيش تحت طائلة هاجس طردهم من المنزل المهجور المتواجين فيه حاليا بعدما عايش مثيلا لهذا القرار أكثر من مرة، قال إن شعيب وأصدقاءه من دبر كل شي.
تواصلنا مع هذا الشاب المتطوع، الذي ينحدر أيضا من فلسطين، وقال عن سبب تطوعه “لقد مررت بهذه المعاناة قبل ما يزيد عن السنتين”، أي بعد وصوله إلى بروكسيل، مضيفا “الأمر يتعلق بنظام اللجوء هنا، إنه ما يعرقل تسريع وتيرة البت في الطلبات والموافقة عليها، مما يحدث اكتضاضا”.
المشردون من المهاجرين وطالبي اللجوء كانوا ومازالوا في العاصمة بروكسل ينتمون لفئة الشباب وبعض القاصرين من مختلف البلدان التي تشهد أزمات وحروب، مثل سوريا وفلسطين وليبيا والسودان وإرتيريا وأفغانستان وبلدان شمال إفريقيا كالمغرب والجزائر وتونس إضافة للقادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
دون مساعدات الصليب الأحمر وزيارات قليلة للمتطوعين ومنظمات غير حكومية تجلب خلالها طعاما وملابس وأفرشة للقاطنين في المباني المهجورة التي تأوي المهاجرين وطالبي اللجوء كما يفعل شعيب، يصعب توفير قوت اليوم وأساسيات الحياة عليهم، فالعمل دون التوفر على الأوراق الرسمية وبطاقة إقامة قانونية، أمر صعب وإن توفر فسيعانون خلاله من الاستغلال.
وتظل إشاعات تتداول بين الأجانب المتواجدين في وضعيات صعبة في بروكسل تنتشر خلال كل أزمة، إذ يتهمون السلطات أنها تتعمد جعلهم في مثل هذه الأوضاع لوقف تدفق آخرين من البلدان التي تشهد أزمات.
وفي ردها على بعض الإشاعات المشابهة حين زيارة سابقة لبروكسل، قالت إيناس لاكونا، متحدثة باسم المنظمة الحكومية ساموسوسيال بروكسل: “لا أظن أنها سياسة من حكومة بلدنا لوقف تدفق المهاجرين، لكن أعتقد أن السبب فيما وصلنا إليه، هو الكم الهائل الذي يصل من المهاجرين وطالبي اللجوء، وعدم القدرة على استيعابهم بسبب النظام المعقد. لا توجد حلول بسيطة لكن التركيز على مساعدة البلدان التي يأتي منها المهاجرون واللاجئون ستضمن بقائهم هناك، لأن ما يدفعهم للهجرة وطلب اللجوء هو عدم احترام حقوقهم”.