مهاجر نيوز

عراقيون عادوا من بيلاروسيا.. “الهجرة قدر لا مفر منه. لن نبقى في العراق سنعاود المحاولة”

قصص المهاجرين على حدود بيلاروسيا مع بولندا وليتوانيا لا تخلو من المآسي والأحداث الدرامية، فبعد أن قرروا المضي برحلتهم باتجاه تحقيق حياة أفضل، وجد الكثيرون أنفسهم ضحايا لصراعات سياسية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، أضاعت أموالهم وجهودهم وحولت أحلامهم لكوابيس. وأغلب هؤلاء كانوا مهاجرين عراقيين تقطعت بهم السبل على حدود باردة برودة الثلج في طقسها وفي تعاملها معهم !




معظم المهاجرين العالقين هناك جاؤوا من العراق، وقدموا إلى بيلاروسيا عبر تأشيرات سياحية (سهلة جدا للعراقيين) ومنها إلى المناطق الحدودية المتاخمة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. لكن مع امتداد الأزمة وارتفاع حدة المواجهة بين بيلاروسيا وجيرانها الأوروبيين، بدأت مينسك بعمليات إعادة للمهاجرين إلى بلدانهم، ومنهم العراقيين، بعد أن باع معظمهم كل ما يملك واستدانوا المزيد من أجل أن يقوموا بتلك الرحلة.





غيّاث*، شاب عراقي يبلغ من العمر 29 سنة من بغداد، كان أحد ضحايا تلك اللعبة.

مطلع نيسان/أبريل الماضي، توجه غياث إلى أحد مكاتب الشركات السياحية في بغداد، حيث اتفق مع القائمين على المكتب على تفاصيل الرحلة كاملة، بما في ذلك عبور الحدود باتجاه بولندا ومنها إلى ألمانيا. منتصف الشهر غادر الشاب العراق باتجاه بيلاروسيا، والأمل يحذوه بحياة أفضل وفرص أوفر تمكنه من تحقيق أحلامه وإعالة أسرته وأسر إخوته.




لكن رياح الهجرة سرت بعكس أحلام وطموحات الشاب، فبحدود منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وجد غياث نفسه على متن طائرة أقلته من مينسك إلى بغداد، بعد أن فقد كل أمل بإمكانية عبور الحدود إلى بولندا.




الآن، وبعد نحو شهر ونصف على عودته، يجلس خريج كلية التجارة في منزل والديه، وهو عبارة عن بناء خرساني غير مكتمل، يشاهد التلفاز ويدخن ويتشاحن مع أولاد إخوته الأطفال حول الضجيج وأصوات ألعابهم.




يقول  غياث : –  “حاليا أنا شاب محطم الأحلام والآمال، أقبع في منزل خرساني مع 16 شخصا آخرين (والده ووالدته وإخوته الثلاثة وعائلاتهم)، نحاول أن نكفي حاجاتنا بالقليل مما يجود به المعاش التقاعدي لوالدي. لدينا مدفأة واحدة نحتشد حولها في المساء، طبعا نولي الأطفال أفضلية الجلوس بجانبها علينا، ونمضي السهرة نقلب أنظارنا بين بعضنا وفيها الكثير من الحسرة على فشل مشروع هجرتي”.





غياث، كالآلاف غيره من العراقيين، غامر بكل شيء من أجل تلك الرحلة، “كان والدي يملك سيارة باعها من أجلي، واستدنت من بعض الأشخاص مبلغ ثمانية آلاف دولار أمريكي (حوالي سبعة آلاف يورو)، وعدت بسدادها ما أن أصل أوروبا وأبدأ العمل. الآن لا أعلم من أين سأوفي أصحاب الأموال حقوقهم، خاصة وأنهم يأتون إلى هنا يوميا ليطالبوني بالسداد”.





غارقا بحزنه وديونه، يستذكر غياث معاناة العشرات من العائلات التي وجدت نفسها وسط غابات المنطقة الحدودية بين بيلاروسيا وبولندا، دون مأوى أو غذاء أو وسائل تدفئة. “حاولنا كثيرا عبور الحدود دون جدوى. مطلع تشرين الثاني/نوفمبر كان حاسما بالنسبة لي ولكثيرين آخرين. تفاجأت في أحد الأيام بحرس الحدود البيلاروسي يتقدم صوبنا، بعضهم شهروا بنادقهم بوجه بضعة رجال، بينهم أنا، وأمرونا بالتقدم إلى بولندا. نفذنا الأمر بطبيعة الحال لنفاجأ بعد بعض الوقت بفوهات بنادق حرس الحدود البولندي بوجهنا، أمرونا بالعودة إلى بيلاروسيا. عرفت حينها أن ما من طائل لبقائي هناك، فسجلت اسمي في رحلة للعودة الطوعية”.




“أمرونا بالعودة إلى الحدود الليتوانية”

الحال نفسه ينطبق على ثائر*، المتزوج ووالد أربعة أطفال. كان ثائر يعمل في مجال ميكانيك السيارات قبل أن يقرر مطلع أيار/مايو الماضي أن يجرب حظه بالهجرة.

وصل ثائر إلى مينسك ومنها مباشرة إلى المنطقة الحدودية مع ليتوانيا، “أمضيت أسبوعين هناك أتحين فرصة للعبور، في كل مرة كان يتم إعادتنا. عدت إلى مينسك ألتقط أنفاسي لأعاود الكرة لاحقا. في تموز/يوليو، كان قد مضى على عودتي إلى المنطقة الحدودية نحو أسبوعين، وبدأت بالاستسلام. لم يكن معي الكثير من النقود وكنت برفقة أشخاص آخرين.




ويقول  : – قررنا العودة لمينسك. بعد مسير لليلة ونصف أوقفتنا دورية للجيش البيلاروسي، وضعونا على متن شاحنة أعادتنا إلى المنطقة الحدودية. هناك أمرونا بالتوجه إلى ليتوانيا، لم يكن أمامنا خيار. عبرنا السياج الحدودي لينهال علينا حرس الحدود الليتواني بالضرب بالهراوات والصعق بالمسدسات الكهربائية. صادروا كل شيء معنا وطردونا. عدنا إلى بيلاروسيا ليأمرنا حرس الحدود هناك بالعودة”.




لم تنته دراما ثائر هنا، فقد توسلوا حرس الحدود البيلاروسي بتركهم يعودون لمينسك. أحد أفراد الدورية وافق على نقلهم إلى مينسك مقابل مبلغ 300 دولار أمريكي (حوالي 260 يورو). جمعوا المبلغ من بعضهم وأعطوه للجندي ليأخذهم للعاصمة.




“حينها اقتنعت أن لا طريق من هناك إلى أوروبا، وحمدت الله أنني لم آخذ عائلتي معي وعرضتهم لكل ذلك. الآن أنا في العراق، بين عائلتي، لكني أخشى الخروج من البيت. أصحاب الديون التي راكمتها على نفسي يطالبوني بالسداد، وأنا لا أملك فلسا واحدا. كل ما كنت أريده هو الوصول لألمانيا، لدي الكثير من الأقارب هناك وكنت مستعدا لمباشرة العمل من اليوم الأول. كل ما نريده نحن العراقيين هو فرصة جديدة في مكان آخر. لا نريد أن نعيش عالة على مجتمعات أخرى، سنعمل ونكد ونكون مساهمين فاعلين في تلك المجتمعات. لكننا بحاجة إلى فرصة”.




إصرار على الهجرة

على الرغم من كل ما سبق، يجمع المهاجران على ضرورة الهجرة من العراق. بالنسبة لغياث “الهجرة هي الوسيلة الوحيدة لي لأتمكن من تحصيل الحياة التي لطالما حلمت بها. في العراق لا أمل لي بتاتا، الفقر وحش كبير لا يمكنني أن أقاتله وحيدا، وعائلتي تحتاج للمساعدة الآن أكثر من قبل. سأعاود الكرّة مجددا ولن أتوقف قبل الوصول إلى أوروبا”.




أما ثائر فيعتبر أن “الهجرة قدر لا مفر منه. لن أبقى في العراق، وسأعاود المحاولة بالتأكيد، لكن ليس عبر بيلاروسيا. سأجد طريقا مناسبا في الوقت المناسب. أولا أحتاج لأن أستعيد الأمل والطاقة، والأهم من ذلك كله أن أستعيد سعادة عائلتي”.




مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى