تهنئة غير المسلمين بأعيادهم.. نقاشات حادة على وسائل التواصل والفضائيات العربية
تشتعل النقاشات الحادة على وسائل التواصل والفضائيات العربية حول التهنئة بأعياد الميلاد والعام الميلادي الجديد. وبات من شعائر كل عام ميلادي جديد أن تشهد المنصات والقنوات الفضائية العربية مناقشات وسجالات حول مسألة تهنئة غير المسلمين بأعيادهم (وخاصة الكريسماس ورأس السنة)، حيث نجد هنا فريقين بارزين:
الفريق الأول: يحشد النصوص الدينية من القرآن الكريم والأحاديث النبوية، التي تساعد في إثبات حرمة التهنئة، بل ويذهب بعضهم إلى أن ذلك كفرٌ، وينقل أن التحريم هو مُعتَمَد في المذاهب الإسلامية الفقهية الأربعة. وينظر للتهنئة بإنها قبولاً وتهنئة بحدث “الميلاد نفسه” الذي ترفضه وتكفره الشريعة الإسلامية قولاً وتفاصيلاً.
الفريق الثاني: يستدعي نصوصًا أيضًا من القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ومواقف إسلامية دينية عامة في الإحسان إلى أهل الكتاب، وخصوصًا المسيحيين والبر بهم. ويرى أن الإسلام أباح الزواج من النساء المسيحيات، فكيف لا يهنئ الزوج المسلم زوجته المسيحية؟ وكيف لا يتناول طعام زوجته ويتعامل معهم بكل ود؟ وهذا يشمل وجوب تهنئتهم، ويحاول هذا الفريق إثبات وجود خلاف فقهي قديم في المسألة يعود للأفكار وليس الدين، ويستعين بفتاوى معاصرة.
ويوجد فريق آخر متفرج على ما يحدث ويجد أن التهنئة أمر اجتماعي يجب عدم إقحام الإيمان والكفر في المسألة؛ فإيمان الإنسان والتزامه بدينه لا علاقة له بتهنئة أو عدم تهنئة. فكل شخص لديه معتقد ديني لا يتغير بالتهنئة، وبالتالي فإن التهنئة أو عدمها ليست أمرًا دينيًا؛ فالمسلم في السعودية لا يجد مسيحيًا لتهنئته فلا ضرر أن يرفض فكرة التهنئة، والمسلم في مصر يجد جارًا مسيحيًا، والعلاقة الاجتماعية أوجبت التهنئة.
ولقد جاءت الردود المباشرة بوجوب التهنئة للمسيحيين وغيرهم وعدم حرمانيتها من مفتي الديار المصرية وشيخ الأزهر في مصر والعديد من العلماء الذين يُطلق عليهم العلماء الرسميون للدولة، بينما جاءت الردود بحرمانية التهنئة من علماء لديهم شهرة وقبول بالمجتمع وذو ميول سلفية.
ولكن ووفقًا للمذاهب الإسلامية الأساسية الأربعة، فهناك بالفعل اختلاف بين جواز التهنئة وبين التحريم وبين الكراهية وبين الاشتراط بوجود المصلحة العامة للتهنئة. والاختلاف يعود إلى عدم وجود نصوص صريحة من القرآن لتحريم أو قبول التهنئة بالأعياد غير الإسلامية. فجاء الاختلاف باجتهاد الأئمة القدماء والمعاصرين، وما يتم روايته من الأحاديث النبوية والاجتهاد والقياس.
ولشدة الخلاف وقِدَمه، فإن الثابت هو الخلاف الفقهي في (التهنئة) في الزمن المعاصر. ولكن هذا النمط من النقاشات الحادة أصبح سمة في العديد من المجتمعات كمادة تجذب المزيد من الاهتمام، رغم أن هذه النقاشات سرعان ما تنتهي مع انتهاء الحدث. لتعود النقاشات مرة أخرى حول اختلافات أخرى بين المكونات الاجتماعية قد يكون بعضها بين المذاهب الإسلامية نفسها مثل شيعي وسني وملتزم ومنفتح، أو المكون العرقي في المجتمعات العربية مثل كردي وعربي وأمازيغ ونوبي وأرمني وكلداني. وفي كل الأحوال، هي مادة نقاشية جدلية تتكرر كل عام ويتغذى عليها الإعلام ووسائل التواصل!