لاجئين مرفوضين في بلجيكا يوقفون إضرابهم عن الطعام بعد وعود حكومية بحل مشكلة رفض لجوءهم
مهاجراً أضربوا عن الطعام لمدة شهرين، في العاصمة البلجيكية بروكسل، للمطالبة بتسوية وضعهم، قبل أن يعلقوا إضرابهم أول أمس الأربعاء، آملين أن تغير السلطات من سياستها في دراسة ملفاتهم. فريق مهاجر نيوز زار أماكن تواجد المضربين عن الطعام، واستمع إلى مطالبهم وتطلعاتهم.
لمدة شهرين، خاض 475 مهاجراً غير نظاميين من طالبي اللجوء الرمفوضين (ليست لديهم أوراق إقامة) إضراباً مفتوحا عن الطعام في بروكسل، تخلله أيضا إضراباً عن شرب الماء، قبل أن يعلن القائمون على الحراك، أول أمس الأربعاء 21 تموز/يوليو، تعليق الإضراب عن الطعام، ووقف الإضراب عن شرب الماء، مع البقاء في أماكن تواجدهم، في كنسية “بيغويناج”، وجامعتي “ULB” و”VUB”.
تتراوح أعمار المضربين بين 20 و65 عاماً، من بينهم نساء، وينحدر معظمهم من تونس والجزائر والمغرب، والراق وفلسطين بالإضافة إلى باكستان ونيبال.
كما تنشط في أماكن الإضراب بعض الجمعيات والمنظمات الإنسانية، لمحاولة توفير المستلزمات الأساسية للمضربين. ومن المنظمات الحاضرة بشكل ملحوظ أطباء بلا حدود، أطباء العالم، والصليب الأحمر.
فما مطالب المهاجرين؟ ولماذا علّقوا إضرابهم عن الطعام؟ وما توقعاتهم إزاء استجابة السلطات لهم؟
مهاجر نيوز زار أماكن الإضراب والتقى بالمهاجرين، وعاد بهذه الإجابات.
“قررنا وقف الإضراب عن الطعام لإعطاء المضربين فرصة لاسترجاع قوتهم”
لا يعتقد المار بجانب كنيسة “بيغويناج”، القريبة من مركز مدينة بروكسل، بأن نحو 250 مهاجراً يعيشون فيها منذ نهاية كانون الثاني/يناير الماضي، وأنهم خاضوا إضراباً عن الطعام استمر لشهرين. تحولت قاعة الكنيسة إلى ملجأ للمهاجرين، أسرة ومراتب نوم في كل مكان، ولافتات ألصقت على الجدران، بينما تم تخصيص ركن في زاوية القاعة للنساء، وآخر لصلاة المهاجرين المسلمين.
وفقاً لناطق باسم المضربين عن الطعام، وبعد تسارع المفاوضات بمناسبة العيد الوطني البلجيكي، تلقى القائمون على الإضراب، أول أمس الأربعاء 21 تموز/يوليو، “وعوداً وتوضيحات، تظهر التزام السلطات بدراسة ملفات المهاجرين المضربين عن الطعام بشفافية”.
وأضاف الناطق أن حالة المضربين عن الطعام كانت “صعبة جداً”، لذلك قرروا وقف الإضراب عن شرب الماء، وتعليق الإضراب عن الطعام مؤقتاً، مع الاستمرار في التواجد في الكنيسة والجامعتين.
وفي رد على سؤال بخصوص مستقبل الإضراب، قال الناطق لمهاجر نيوز “نتعامل بحذر مع الوضع الراهن. إذا التزمت السلطات بوعودها، سنتعاون بالتأكيد. لكن إذا كانت هناك مماطلات، سنعود للإضراب عن الطعام”.
أما ابتسام* وهي مهاجرة مغربية، فتقول “في الوقت الحالي وعلى الرغم من انتهاء الإضراب، سأبقى هنا طالما ليس لدي حل”. وكانت قد تركت الشابة بلدها قبل خمسة أعوام مع طفلها “لأسباب عائلية”. وقالت إن طلبها للحصول على إقامة تم رفضه بعد ستة أشهر، لذا تمت إحاطتها بوجوب مغادرة المملكة البلجيكية. لكنها “خائفة جدا من العودة إلى المغرب. عملت هنا كعاملة نظافة، ونادلة في مطعم للوجبات السريعة، بالإضافة لعملي كمربية أطفال. كل ذلك من أجل أن أعيش وأوفر لابني حياة طبيعية”.
“لم نحصل سوى على وعود شفهية.. وعلينا الانتظار ومواصلة المحاولة”
بناء على ما تلقاه القائمون على الإضراب من وعود، شرع المهاجرون بإعادة تقديم طلباتهم للحصول على إقامات نظامية.
وكان قد أعلن مكتب وزير الهجرة واللجوء، سامي مهدي، أول أمس الأربعاء 21 تموز/يوليو، عن طريقتين محتملتين للتسوية، إما بحكم “ظروف استثنائية” (المادة 9 من القانون المعمول به لعام 1980 لأسباب تتعلق مثلا، بالإقامة فترة طويلة في بلجيكا أو بسبب الحالة الهشة للشخص)، أو عن طريق طلب اللجوء.
وفي اتصال مع مهاجر نيوز، قالت كورالي هوبالو، منسقة العمل السياسي في جمعية التنسيق والمبادرات للمهاجرين والأجانب (CIRÉ)، إن ما حصلنا عليه الأربعاء، هو وعد بتسريع معالجة الإجراءات. لكننا نبقى في إطار الإجراءات المعتادة. يمكن للمضربين أيضا تقديم طلباتهم مباشرة في مكتب جمعية (L’anneau Neutre)، وهو مكتب مؤقت لاستلام الملفات، ويقع بجوار الكنيسة مباشرة، ما يوفر على المهاجرين عناء المرور عبر الدوائر الرسمية”.
وأضافت “حصلنا على ضمانات لكنها وعود شفهية. لم يتم توقيع أي شيء. الوضع لا يزال هشا لذا علينا أن نكون يقظين بشأن ما سيحدث بعد ذلك. طالما أن إصلاح اللجوء والهجرة غير منصوص عليه في القانون، فإننا مستمرون في محاولاتنا”.
وأشارت هوبالو إلى أنه في عام 2009، وبعد إضراب عن الطعام، حصل مهاجرون غير نظاميين على تسوية قانونية لوضعهم. ولكن ذلك كان بناءً على تعليمات وزارية. ولم يتضمن ذلك تغييرا في نص القانون”.
“الحالة الصحية معقدة لكثير من المضربين.. ولا نستطيع توقع قدرتهم على الدخول في إضراب جديد”
ووفقاً للمهاجرين، بدأ معظمهم بالتوجه إلى المستشفى منذ اليوم الثالث من الإضراب عن الطعام. ما أكدته منسقة منظمة أطباء العالم في الكنيسة، التي قالت إن نحو 10 مهاجرين كانوا يتوجهون إلى المستشفى يومياً. مشيرة إلى تواجد فريق طبي مكون من 5 ممرضين، وهم متطوعون وبعضهم من المضربين أنفسهم.
ومن جانبها، شرحت جولييت*، وهي ممرضة متطوعة لمساعدة المضربين عن الطعام في الكنيسة، طبيعة التبعات الصحية للإضراب. وقالت “تتمثل الأعراض في خسارة ملحوظة للوزن، وضعف عام لدرجة عدم القدرة على الكلام، بالإضافة إلى انخفاض كبير في ضغط الدم. الحالات التي احتاجت إلى تدخل طبي في المستشفى كانت لهؤلاء الذين فقدوا الوعي أو الذين عانوا من مشاكل في الكلى، وهم كثر”.
وأردفت “كنت أنصحهم بتناول القليل من المياه المخلوطة ببعض السكر والملح، بالإضافة بعض الفيتامينات”.
وعلقت على الوضع الحالي، قائلة “الآن بعد تعليق الإضراب عن الطعام، أشعر بأن لديهم بعض الأمل. نصحتهم بأن يأكلوا من جديد تدريجياً، وألا يأكلوا كميات كبيرة. هل سيكونون قادرين صحياً على البدء في إضراب جديد على الطعام؟ لا أستطيع التخمين، لكن وضعهم الصحي معقد”.
خالد* مهاجر جزائري، يبلغ 34 عاماً، يعيش في بلجيكا بشكل غير قانوني منذ 2016. عمل الشاب الأعزب في البناء، لكن بشكل غير رسمي. وقرر قبل شهرين أن يخوض الإضراب عن الطعام. صحة خالد أخذت بالتدهور، وبدأ يعاني من مشاكل في الكلى بالإضافة إلى فقدان الوزن والجفاف. قال لمهاجر نيوز “أهلي في الجزائر لا يعرفون أنني أخوض الإضراب عن الطعام، وينتظرون مني أن أعمل وأن أرسل المال لهم. كيف؟ لا أدري. كل ما أتمناه هو أن يكون لي وضع قانوني يسمح لي بالحصول على حياة طبيعية”.
“الجامعة فتحت لنا أبوابها.. ونحن مصرون على الاستمرار حتى النهاية”
لا يختلف حال جامعة “ULB” عن الوضع في الكنيسة، فالمهاجرون يتواصلون وينسقون الإضراب في الأماكن الثلاثة التي يتواجدون فيها. تقول مسؤولة التواصل في الجامعة والمتواجدة بالقرب من المطعم القديم، الذي يعيش فيه المهاجرون البالغ عددهم نحو 150 مهاجراً، “جامعتنا تتضامن بشكل كامل مع قضية هؤلاء المهاجرين. نحن نتحدث عن أشخاص يعيشون منذ فترة طويلة في بلجيكا، بعضهم منذ 20 عاماً، هذا الوضع غير طبيعي، وعليه أن يتغير بأي شكل”.
ومن جانبه، علق غسان*، وهو مهاجر مغربي، “نتواجد هنا منذ شباط/فبراير الماضي، تضاعف عددنا خلال هذه الفترة، ومن بيننا نساء. الجامعة تعاونت معنا بشكل كامل وفتحت لنا أبوابها. الآن، أوقفنا الإضراب عن الطعام، ونترقب التطورات التي ستحدث في المفاوضات التي تجرى مع السلطات”.
ويبقى السؤال الأهم فيما يتعلق بهؤلاء المهاجرين، ما طبيعة التسوية التي من الممكن أن يصلوا إليها فيما تتمسك السلطات بموقفها؟ خاصة وأن ملفاتهم وطرق دخولهم إلى بلجيكا وأوضاعهم الإدارية متنوعة ومختلفة. قال أحدهم لمهاجر نيوز “نحن مصرون على الاستمرار حتى النهاية”، وعندما سُئل عن النهاية التي يتخيلها، رد “لا أدري. لا نعلم كيف سينتهي كل هذا”.