قصص المهاجرين واللاجئينمقالات مهمة

لاجئة سورية أول قبطانه “عربية” في ألمانيا ..من رحلة لجوء قاسية لبائعة في مخبز لقبطانه بحرية (فيديو)

إنها إحدى اللاجئات السوريات ممن صارت قصتهن مصدر إلهام، ليس للاجئين فقط، بل لكل من سمع بها. نجد بوشي، لاجئة سورية استطاعت تحقيق لقب أول قبطان امرأة للسفن السياحية بولاية بافاريا. مهاجر نيوز تعرض قصتها بمناسبة اليوم العالمي للاجئين.



كان البحر جزءاً مخيفاً وقاسياً من رحلة اللجوء التي خاضتها وحيدة هرباً من أوضاع سوريا الصعبة بعد اندلاع الحرب، لكنها تغلبت على ذكرياتها السلبية وحققت لنفسها ولنساء لاجئات سوريات لقباً مشرفا.



نجد بوشي، لاجئة سورية من مدينة حلب، هي اليوم أول قبطان سورية عربية في ألمانيا، وأول قبطان امرأة في ولاية بافاريا حيث لجأت سنة 2014 وحدها، تاركة وراءها ابنا في الثامنة من عمره وابنة في الحادية عشرة برفقة والدهم.



كانت القبطان نجد، تتمنى مغادرة سوريا حتى قبل الحرب بحثاً عن فرصة لمستقبل أفضل لها ولأبنائها في بلد يتسم بالديموقراطية ويضمن لمواطنيه حقوقاً وحرية أكثر، وطبعاً كانت تفكر في أمريكا أو أوروبا كوجهة، لكنها لم تكن تعلم أن الحرب ستضطرها لفعل ذلك في ظروف تتسم بالخطورة.



“رحلة اللجوء كانت اضطرارية بسبب الأوضاع، واتسمت بالمشقة والخطورة” تقول نجد. مرت خلال الرحلة بتركيا أولا ثم حاولت العبور نحو اليونان مرتين، بعد نجاحها شدت الرحال نحو إيطاليا ثم إلى ألمانيا. أسابيع طوال عانت خلالها من الجوع والطقس الصعب ومشقة السفر برفقة مهربين لا رحمة في قلوبهم، من مظاهر ذلك أنهم تركوا المجموعة التي كانت نجد ضمنها، في جزيرة يونانية غير مأهولة بالسكان لأيام.

الكابتن نجد بوشي على ظهر السفينة السياحية رفقة زملائها قبل انطلاق إحدى الرحلات التي قادتها
الكابتن نجد بوشي على ظهر السفينة السياحية رفقة زملائها قبل انطلاق إحدى الرحلات التي قادتها

البدايات في ألمانيا



بعد تمكنها من الوصول إلى ألمانيا، حصلت اللاجئة نجد بوشي على موافقة السلطات الألمانية للم شمل أسرتها سنة 2015، أي ابنها وابنتها وطليقها. لتبدأ مسيرة البحث عن ذاتها، وفرصة للاستقلال مادياً وضمان مستقبل جيد لأسرتها.



كان أمام اللاجئة السورية مسار طويل أمام صعوبات الحياة الجديدة، تقول “أنهكتني البيروقراطية وكثرة المعاملات الإدارية والوثائق الكثيرة المطلوبة، خاصة أنها باللغة الألمانية. ومن المضحكات أن الألمان المتطوعين لمساعدتنا، كثيراً ما كان يصعب عليهم فهم كل الوثائق باللغة الإدارية المعقدة”.

أول قبطان امرأة عربية في ألأمانيا



تعلم اللغة الألمانية كان أمراً صعباً بالنسبة للبوشي، خلافاً لأبنائها صغار السن حينها “خاصة أنه في ولاية بافاريا يتشبت السكان بلهجتهم المحلية الصعبة نوعاً ما”، تقول. لكن تشجيع محيطها من الألمان الجدد الذين تعرفت عليهم ساهم في تطورها بسرعة.



النساء الألمانيات أثرن في بناء شخصية نجد الجديدة كما تحكي، فهي تعتبر أن تواجدها معهن لفترات طويلة بعد وصولها لبافاريا واعتمادها على نصائحهن وإرشاداتهن لبدء حياة جديدة في ألمانيا أتى أُكله، معتبرة أن تجربتهن في الحياة والاعتماد على أنفسهن منذ نعومة أظافرهن، تجعل منهن ذوات خبرة كبيرة، ونموذج يقتدى به في مواجهة صعوبات الحياة.

كانت فكرة تعلم سياقة السفينة مقترحاً من مديرها، تغلبت نجد على مخاوفها بمساعدته وزملاء لها، ونجحت في الامتحان وصارت كابتن.
كانت فكرة تعلم سياقة السفينة مقترحاً من مديرها، تغلبت نجد على مخاوفها بمساعدته وزملاء لها، ونجحت في الامتحان وصارت كابتن.




 رحلة الكابتن!

بدأت نجد رحلة البحث عن عمل، وأول ما وجدته فرصة في مخبز بالحي الذي كانت تسكنه، كان مالكها في حاجة لبائعة. هكذا تمكنت من توفير مدخول لمدة 11 شهراً. خلال تلك الفترة أخبرها الزبائن أن صاحب المخبز يملك شركة سفن سياحية، ونصحوها بالتقدم لعمل في إحداها على اعتبارها فرصة أفضل.



بعدما رحب صاحب الشركة بالفكرة، تقدمت نجد فعلا بطلب عمل، وساعدها زبائن المخبز مرة أخرى في تعبئة الطلب وكل المعاملات لضمان حصولها على الوظيفة. وجدت نجد منصب محاسبة شاغراً ضمن إحدى السفن السياحية، وقبلت به فوراً.



“استمر عملي على ظهر السفينة كمحاسبة إلى غاية أواخر 2018، هنا قدم المدير إلي من تلقاء نفسه وأنا أزاول عملي، وسألني “ما رأيك في التقدم بطلب للحصول على تدريب في سياقة السفن لتصبحي كابتن؟”. ترددت نجد البوشي كثيراً، خاصة أن لغتها كانت لم تكن قد تطورت بعد كفاية لتصبح مسؤولة عن سفينة محملة بالسياح، لكن بتحفيز من مديرها الألماني الذي رد على خوفها وترددها بقوله “ما الذي يمكن أن يخيفك في هذا الأمر بعدما اجتزت ما هو أصعب، لقد تمكنت من القدوم من حلب إلى بافاريا وحيدة ونجحت في ذلك”.



تعبر نجد البوشي اليوم عن امتنان كبير لمديرها لأن كلامه كان بالنسبة لها محفزاً كبيراً وأعطاها ثقة كبيرة بنفسها. تقدمت بطلبها لاجتياز التدريب ونجحت في امتحانه لتصير بذلك الكابتن المرأة الأولى للسفينة في الولاية بأكملها.



تحكي بوشي أن زملاءها ساعدوها كثيرا في البداية وبعضهم كان يساعدها في فهم الدروس ويشرح لها مستعيناً بالصور والفيديوهات لتبسيط المعلومات، كما أن المدير بنفسه كان يخصص لها وقتاً ليساعدها للتحضير للامتحان. لكن سرعان ما بدأت الغيرة تدب في نفوس البعض من الزملاء، خاصة بعد الهالة الإعلامية التي خلقتها بتوليها المنصب.



تتمتع نجد بشخصية هادئة تتناغم مع طبيعة عملها وتساعدها الطبيعة الخلابة في ولاية بافاريا في الاستمتاع بعملها
تتمتع نجد بشخصية هادئة تتناغم مع طبيعة عملها وتساعدها الطبيعة الخلابة في ولاية بافاريا في الاستمتاع بعملها




تفوق في مهنة كانت حكراً على الرجال

ما شدد غيرة بعض الزملاء الرجال تقول نجد، أن “الزبائن كانوا يشيدون بسياقتي ويعتبرونها هادئة وتساعدهم على الاستمتاع بالرحلة أكثر”، معتبرة أن ما ساعدها في كسب رضا الزبائن أنها بالفعل تتمتع بشخصية هادئة تنعكس على طريقة سياقتها للسفينة.



كما أن “رد فعل الزبائن من النساء خاصة أعطتني طاقة كبيرة”، إذ كان كثيرات يحضرن لمكان رسو السفينة لتشجيعها والتعبير عن دعمهن لها بعد انتشار قصتها، بل من الزبائن من النساء من تختار انتظار “سفينة الكابتن المرأة اللاجئة” لتتجول فيها، وكثيرات بعثن لها رسائل تشجيع بكلمات كلها حب وطاقة إيجابية.



مقابل كل هذه الإيجابية، كان لابد من صعوبات تواجه نجد على ظهر السفينة غير غيرة الزملاء، منها الطقس والرياح التي لم تتعود عليها في بلدها حيث نشأت، كما أن “التعامل مع زبائن مختلفين غالبيتهم كان في البداية مُسْتَغْرِباً وخائفاً من الركوب مع كابتن سفينة امرأة، ويستغربون أكثر عندما يعرفون أنها لاجئة سورية”، حسب نجد. “كان الناس خاصة السياح معتادين على أن الرجال هم القادرون على هذا العمل وأنا كسرت هذه القاعدة، وجد فخورة بذلك”.



حققت نجد ما لم تكن تتخيله وهي تغادر حلب نحو رحلة المجهول المحفوفة بالمخاطر، وهي اليوم تصر على أن النساء يستطعن الوصول لما يرغبن في تحقيقه، ويحققن كل أحلامهن مهما كانت كبيرة، شرط الثقة بقدراتهن ومنح أنفسهن فرصة، عوض لعب الأدوار النمطية المنوطة بهن اجتماعياً، معتبرة أن الأفكار السلبية والمغلوطة المنتشرة بين اللاجئين حول الألمان، مجرد كليشيهات قد تعيق تحقيق الذات إن صدقها اللاجئ وصارت مانعاً له أمام الاندماج.



المصدر

https://www.infomigrants.net 
ماجدة بوعزة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى