عدم الرضا عن الخدمات الصحية في السويد رغم أن الرعاية الصحية في السويد متقدمة عالمياً
في كل مرة يطرح موضوع الطب والخدمات الصحية في السويد تهب عاصفة من النقد والشكوى- اغلب الشكاوي هي من القادمين الجدد الي السويد ، ولكن أيضا العديد من السويديين كان لهم راي سلبي في الخدمات الصحية التي يقدمها نظامهم الصحي ..أخيرا التقارير الدولية تقول ان السويد واحدة من افضل عشر دول بالعالم بالرعايا الصحية …..فأين الحقيقة !
تقييم من طبيب سويدي /عربي في السويد
كيف نقيّم الخدمات الطبية والصحية في بلد ما؟
حددت منظمة الصحة العالمية 100 مؤشر رئيسي لتقييم الحالة الصحية للسكان في اي بلد، سأكتفي بالإشارة إلى 6 من أهم هذه المؤشرات، مع العلم أنها منشورة على مواقع منظمة الصحة بعدة لغات منها اللغة العربية:
معدل وفيات حديثي الولادة.
معدل وفيات الرضع (أقل من سنة).
معدل وفيات الأطفال تحت عمر 5 سنوات.
احتمال الوفاة في العمر بين 15 و 65 سنة.
العمر المتوقع عند الولادة.
معدل وفيات الأمهات.
تلعب جودة الخدمات الصحية، دوراً رئيسياً في هذه المؤشرات ولكن بالطبع هناك عوامل أخرى متعددة تؤثر على هذه المؤشرات ومن تلك العوامل مستوى التعليم و الحالة الاجتماعية/ الاقتصادية.
هذه المؤشرات هي عبارة عن قياسات بالأرقام لا تنحاز ولا تكذب ولك أن تقارن مؤشرات أي من البلدان العربية مع مؤشرات السويد ستجد أن الفارق كبير جداً.
إذاً ما الذي ولّد هذا الانطباع والموقف السلبي من الخدمات الطبية في السويد؟
هناك برأيي عوامل كثيرة سأحاول عرضها:
العامل الأول: نقص عدد الأطباء العاملين في المؤسسات الصحية في السويد، وهو عامل مهم يؤدي في كثير من الأحيان إلى تأخير غير مقبول وأحياناً مؤذي، في تقديم الخدمة.
تحاول السلطات الصحية دون نجاح يذكر، تدارك هذا النقص عن طريق التعاقد مع أطباء لفترات قصيرة (الأطباء المستأجرين) ، وعن طريق وضع لائحة أولويات للمصابين بالحالات الحادة أو عند الاشتباه بالإصابة بالسرطان.
شخصياً لا أستطيع فهم أسباب نقص الأطباء في دولة ثرية ومتطورة في حين نجد دولاً فقيرة وأقل تطوراً لا يوجد فيها مثل هذا النقص.
العامل الثاني: أننا ننحدر من ثقافة يسود فيها شعور من عدم الثقة بين الناس من جهة والمؤسسات الرسمية من جهة أخرى، أدى انعدام الثقة هذا، في بلداننا، من بين أشياء أخرى الى انتشار الخدمات الطبية الموازية من عيادات خاصة ومختبرات وعيادات أشعة وصولاً إلى المستشفيات، بدورها عمقت هذه المؤسسات الموازية بشكل متعمد، شعور عدم الثقة بالمؤسسات العامة حيث أصبحت في كثير من الأحيان تسمى بـ “المسالخ”.
من هنا تولد شعور عند مراجعي المؤسسات العامة أنهم لن يتلقوا الخدمة اللازمة، أو أن الخدمة المتلقاة عديمة الفائدة.
على ما يبدو أن كثير من القادمين حملوا معهم هذا الشعور بعدم الثقة.
العامل الثالث: يسعى طبيب القطاع الخاص إلى كسب المريض كزبون وذلك من خلال تقديم خدمة ترضي الزبون و تحتوي على كل ما يتوقعه أو يطلبه من تحاليل واستقصاءات شعاعية أو غير ذلك ، يلي ذلك وصفة فيها العديد من العقاقير، بينما يكون تصرف طبيب القطاع الحكومي أقرب إلى المهنية لأنه ببساطة غير مهتم بكسب المزيد من ” الزبائن” فهو يستقبل يومياً من المرضى عدداً أكبر بكثير مما يرغب.
أود أن اشير هنا أن معظم حالات اعتلال الصحة او المرض الحاد التي يراجع المرضى بسببها العيادات العامة هي حالات تسمى محدودة ذاتياً أي أنها لا تحتاج إلى تدخل طبي وتصل نسبة هذه الحالات المرضية ما يقارب الى 90%.
ماذا يعني ذلك؟ يعني ببساطة أن 90% من مراجعي العيادات خضعوا لتحاليل واستقصاءات وتلقوا علاجات لم يكونوا بحاجة إليها أصلاً. بالإضافة إلى الخسارة المادية المترتبة على ذلك يتعرض المريض للتأثيرات السلبية للأدوية التي قد تصل إلى الفشل الكلوي وأذيات الكبد.
العامل الرابع: العمل الطبي هو عمل محفوف بالمخاطر وهناك هيئة مختصة تتابع الأضرار التي تحصل أثناء تقديم الرعاية الطبية، مهمة هذه الهيئة التحقيق فيما إذا كان الضرر نتج عن خطأ طبي أو لأن الإجراء قد يتسبب بالضرر حتى عندما يكون الكادر الطبي قد قام بالإجراءات الموصى بها دون خطأ.
تحدث في السويد، كما في أي بلد آخر، أخطاء قد تكون قاتلة أحياناً ومضرة أحيان أخرى، الفرق هنا أنه لدى الصحافة المقدرة على الحصول على المعلومات ونشرها وبالتالي تصلنا معظم القصص عن حالات الإخفاق والمشاكل التي تحدث سواء تسبب فيها أفراد أو مؤسسات حكومية أو خاصة، بينما لا نعلم أي شيء عن المشاكل الناتجة عن الرعاية الصحية في بلداننا، إلا فيما ندر!
ليست لدي إحصاءات ولكن كعامل في هذا المجال لأكثر من ربع قرن في بلدين عربيين وفي السويد منذ أكثر من سنتين أستطيع التأكيد أن الأخطاء الناجمة عن الرعاية الصحية في بلداننا هي أكثر بكثير من تلك التي تحدث في السويد.