
السويدية “آنا” تنام في خزانة الملابس هرباً من الأصوات والضجيج في المبنى السكني
في عمق الثقافة السويدية، يحتل احترام الخصوصية والهدوء مكانة لا يمكن المساس بها، فالشعب السويدي يعد من أكثر الشعوب الأوروبية حرصًا على خلق بيئة هادئة وخالية من الضوضاء حيث يعتبر رفع الصوت أو حتى إحداث ضجيج بسيط أمرًا غير مقبول بشكل عام، خصوصًا بعد الساعة السابعة مساء بل إن بعض السويديين يلتزمون الصمت لدرجة أنهم قد يتجنبون استخدام مجفف الشعر أو تشغيل المياه بقوة أو حتى دخول الحمام بصخب في ساعات الليل فقط حتى لا يزعجوا جيرانهم!
هذه القواعد الدقيقة التي تحكم السلوك الليلي قد تصدم العديد من القادمين الجدد من خلفيات ثقافية مختلفة مثل دول الشرق الأوسط أو أفريقيا أو آسيا، حيث تعتبر مظاهر الحركة واللعب وحتى رفع الأصوات جزءًا طبيعيًا من الحياة اليومية ففي بعض العائلات المهاجرة، يعتبر من المعتاد أن يلعب الأطفال الكرة داخل الشقة أو يركضوا ويلعبوا طوال اليوم دون قيد، ما يشكل صدمة ثقافية حين يصطدم هذا النمط بأسلوب الحياة السويدي المبني على الصمت شبه التام بعد الغروب.
ولعل قصة السويدية آنا بي جي، التي نقلها التلفزيون السويدي ، والمقيمة في أحد مباني شركة “سفنسكا بوستادير” للإسكان في قلب ستوكهولم، تسلط الضوء على حساسية السويديين الشديدة تجاه الأصوات فطوال أكثر من ثلاثة أشهر، عانت آنا وسكان آخرون من ضوضاء متواصلة،حتى وصل بها الحال إلى حد النوم داخل خزانة الملابس هربًا من الضجيج الذي كان يتسلل عبر الجدران ليحرمها من النوم الهادئ الذي يعد بالنسبة للسويديين مسألة شخصية وأساسية لراحة النفس

تقول آنا بي جي بأسى شديد إنها اضطرت أكثر من مرة لمغادرة شقتها في منتصف الليل والنوم على أرائك أصدقائها فقط بحثًا عن بعض السكون، ورغم تدخل إدارة الإسكان ومحاولة السيطرة عن كل مصادر الضجيج والإزعاج داخل المبنى وفي المساحات العامة إلا أن الأصوات استمرت في مضايقة السكان!

الضجيج: عندما يصبح أزمة ثقافية بين الوافدين والسويديين
بينما تظهر قصة آنا عمق الالتزام السويدي بالهدوء، يزداد التوتر أحيانًا في المباني السكنية التي يسكنها مهاجرون جدد من بيئات تكون فيها الأصوات والحركة المستمرة أمورًا طبيعية وليس بها أي قصد لإزعاج الآخرين ففي مجتمع يعيش فيه الأطفال بحرية داخل البيوت، يركضون ويلعبون الكرة دون مراعاة للوقت أو الصوت، يصبح الاصطدام بالقواعد السويدية للهدوء أمرًا شبه محتوم

تتحدث الشكاوى الكثيرة التي ترد إلى إدارات الإسكان في معظم مدن السويد عن أصوات صراخ الأطفال، رقصهم، قفزهم المتواصل داخل الشقق، صوت التلفاز .. واستمرار الحركة حتى ساعات متأخرة مما يعد خرقًا لقيم الهدوء والسكن في السويد التي ترى في المبنى السكني مساحة للسكينة الجماعية وليس ساحة لعب غير منظمة
ليس مجرد ضوضاء… بل أسلوب حياة متصادم
في السويد، الهدوء ليس مجرد عادة بل هو أسلوب حياة يرمز إلى احترام الآخر والمساحة الشخصية وحماية الصحة النفسية، ولهذا ترى المجتمعات السويدية الأصوات المرتفعة بمثابة اعتداء على الخصوصية الشخصية للجار أما في خلفيات ثقافية أخرى، فإن الصوت والحركة قد تكونان دليلاً على حياة ونشاط ودفء اجتماعي، لا قلة احترام
وبين هذه الرؤى المختلفة، تتجلى أهمية فهم أن التعايش في السويد لا يعني فقط تعلم اللغة أو الالتزام بالقوانين بل أيضًا فهم القيم العميقة التي تحكم السلوك الاجتماعي في الحياة اليومية