كاتب سويدي: خطاب اليمين السياسي السويدي المتطرف هو من صنع مذبحة مدرسة أوريبرو؟
نُشر في: 5 فبراير، 2025 الساعة 17:58
الكاتب السويدي Henrik Magnus صاحب مقال “على المهاجرين الهروب من السويد أو انتظار ذئاب جيمي أوكسون” يكتب:
بعد ظهر يوم 4 فبراير 2025، كان السويديون في حالة ذهول وهم يسمعون أخبارًا تفيد بمصرع 10 أشخاص وإصابة آخرين في حادثة مروعة هزت السويد قبل أن تهز مدينة أوريبرو السويدية التي شهدت الحادث. وفي ظل غياب المعلومات الأولية، كان السويديون ينتظرون أن يسمعوا أن المهاجم من أصول مهاجرة، وربما مسلم! ولكن ظهر أخيرًا أن المنفذ سويدي الأصل وأحد الذئاب المنفردة حسب وصف الشرطة السويدية.
لا أجد في سجل الحوادث والجرائم الجماعية في تاريخ السويد الحديث هذا العدد من الضحايا في يوماً وأحد ! وهذا يجعلنا أمام حادث هو الأول من نوعه ، حيث تشير المعلومات الأولية إلى أن منفذ الهجوم هو شخص سويدي من أصول سويدية، يُعتقد أنه متطرف أو لديه ميول لليمين المتطرف، رغم عدم وجود أي تصريح رسمي حول ذلك. ولكن ليس من المنطقي أو الطبيعي أن يخطط وينفذ شخص مثل هذا الهجوم من فراغ فكري. هذا الهجوم ليس مجرد حادث فردي كما تحاول السلطات الترويج له، بل يحمل دلالات عميقة تتعلق بالمشهد السياسي والاجتماعي في السويد.
استهدف الهجوم مدرسة تُعنى بتعليم الكبار، بينهم ربما سويديون والكثير من ذوي الأصول المهاجرة. وتشير المعلومات إلى أن معظم الضحايا من الخلفيات المسلمة المهاجرة. وهذا منطقي؛ فمن يستهدف مركزًا تعليميًا مشهورًا بتواجد الطلاب من أصول مهاجرة، فهو يستهدفهم هم وليس غيرهم! هذا الاستهداف لا نعلم ماذا نسميه: معتوه يستهدف مواطنين؟ أم استهداف انتقامي عرقي أو ديني؟
في كل الأحوال، هو استهداف يدور في حلقة الكراهية، ويسلط الضوء على تصاعد خطاب الكراهية والتطرف اليميني في السويد، خاصةً في ظل تصاعد نبرة العداء للمهاجرين في الخطابات السياسية الحكومية منذ تولي الحكومة اليمينية الحالية السلطة في عام 2022، بالشراكة مع حزب “سفاريا ديموقراتنا” وزعيمه جيمي أوكسون الكارهين علنًا للمهاجرين والهجرة.
المتتبع للاحداث يجد ربط غير مفهوم ، حيث ظهرت أزمة السوسيال وسحب الأطفال، وحرق نسخ القرآن، وربط الاحتيال بالمهاجرين، وربط العنف بقضايا الشرف الإسلامي، واستحضار أزمات الحجاب للفتيات المسلمات، وربط الجريمة المنظمة بالمهاجرين، واستحضار القيم الإسلامية التي تخالف القيم السويدية، مع نشر الإحصائيات عن بطالة واحتيال المهاجرين وظهور خطابات الكراهية السياسية وكأن المهاجرين لا يعيشون إلا في السويد. رغم أن المهاجرين ومن ضمنهم المسلمين في جميع دول الغرب مندمجون بقيمهم وحجابهم وثقافتهم دون هذا الصخب من المشاكل التي يتم الترويج لها في السويد.
في السنوات الأخيرة، ارتبط الخطاب السياسي في السويد بتوجيه أصابع الاتهام إلى المهاجرين باعتبارهم المسؤولين عن موجات العنف والجريمة في البلاد. غير أن هذا الهجوم على مدرسة تعليم الكبار يعكس تناقضًا صارخًا مع هذا التصور؛ فهنا نجد مهاجمًا سويديًا من أصول سويدية يستهدف مواطنين من أصول مهاجرة، مما يضع الحكومة السويدية والسياسيين في موقف محرج ومرتبك. لم تعد المعادلة كما كانت في السابق، حيث كان يمكن تصوير المهاجم كمجرم مهاجر والضحايا كمجتمع سويدي. اليوم، يقلب هذا الحادث المعادلة رأسًا على عقب: مهاجم سويدي وضحايا مهاجرون، ليبدأ سيل من الأسئلة: ماذا يحدث في السويد؟
أظهرت ردود فعل الحكومة السويدية الهادئة منذ سماع الخبر حالة من الارتباك والتردد، مع صدور تصريحات مبهمة وغير واضحة، رغم أن حادث إطلاق نار من عصابات في ستوكهولم كان يخرج السياسيين السويديين بالصراخ والوعيد والتهديد .. ولكن في هذه الحادثة كان الهدوء والاختفاء هو المعيار المشترك بين جميع السياسيين السويدين، وكأن السلطات تنتظر ظهور معلومات قد تنفي هوية المهاجم كونه سويدي الأصل أو تفكر ماذا تقول وماذا تفعل . هذا التردد يعكس أزمة سياسية وأخلاقية في كيفية التعامل مع حوادث العنف التي لا تتماشى مع الرواية الرسمية السائدة بأن أي جريمة كبرى يجب أن يكون الجاني “مهاجرًا”.
يسلط هذا الحادث الضوء أيضًا على الأثر الخطير للخطاب السياسي التحريضي الذي ساد في السويد في السنوات الأخيرة. إذ إن ربط المهاجرين بالعنف وتوجيه اتهامات ضد الإسلام والمسلمين بأنهم يحملون ثقافة عنف، قد ساهم بشكل غير مباشر في خلق بيئة خصبة للتطرف المضاد من اليمين النازي. وربما هذا ما شجع فردًا من اليمين المتطرف على ارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة، التي قد تكون منفردة في تنفيذها، لكنها تحمل إمضاء العمل الجماعي المتطرف. هناك من يصدر الخطب المتطرفة وينشر الكراهية ليظهر المنفذ الذئب المنفرد، وتكون النتيجة مأساوية على مستوى المجتمع بأكمله.
الهجوم في أوريبرو ليس مجرد حادث عابر؛ إنه مؤشر خطير على تحول في طبيعة التهديدات الأمنية في السويد. وهو دعوة لإعادة تقييم السياسات والخطابات العامة التي ساهمت في تغذية الكراهية والانقسام. لقد أظهر هذا الهجوم أن العنف لا يعرف هوية أو دينًا معينًا، وأن التطرف يمكن أن يتسلل إلى أي مجتمع إذا لم تتم مواجهته بخطاب عقلاني شامل يعزز قيم التسامح والاندماج. لطالما كررنا أن الجريمة والإرهاب لا دين لهما، لكن اليمين المتطرف والسياسيين في السويد لديهم عناوين جديدة تقول: “للجريمة أصول مهاجرة، وللعنف حاضنة إسلامية”.
من المهم الإشارة إلى أن السلطات السويدية لم تصدر بعد تصريحات رسمية مؤكدة حول هوية الجاني إلا بعد أكثر من 36 ساعة، حيث كانت تنتظر المزيد من المعلومات للتأكد من أن المنفذ هو بالفعل سويدي الأصل أو ربما لتفهم ما يحدث وكيف تتصرف معه. هذا التردد يأتي في ظل موقف الحكومة السويدية التي طالما أشارت إلى أن العنف والإجرام يرتبطان بالمهاجرين، مما يجعل هذا الحادث المفاجئ تحديًا جديدًا للخطاب السياسي السائد.
لا أجد الكثير لكتابته، فربما لدينا الآن الكثير من الأفكار والكثير من الاتهامات ولدى البعض نظريات حول المؤامرة. ولكن لا يمكن إنكار أن حادث أوريبرو يمثل نقطة إثارة كبيرة لكي نتحدث بصوت عالٍ حول انزلاق السويد نحو خطاب الكراهية.
أقراء للكاتب..
كاتب سويدي: على المهاجرين الهرب من السويد أو انتظار ذئاب جيمي أوكسون