لاجئون سوريون تائهون بين السويد وسوريا
لا يزال كثير من اللاجئين في السويد غير معتادين على تفاصيل كثيرة في حياتهم، ما يجعلهم يتجهون للتعلق بالماضي والعيش فيه.
لكن هذا الأمر ليس مهماً إذ يتخبط البعض بين الوطن سوريا .. والوطن الجديد السويد ، فيعيش هؤلاء في حالة أزدواجية بين استقرار السويد ، وذكريات سوريا ، مما تسبب أحياناً في انفصال عن الواقع وضعف الاندماج …وتتطور لدي البعض الي أزماتٍ نفسية.
المشكلة لدي النساء المهاجرات اكثر ، كون الحياة الاجتماعية اكثر نشاط في سوريا واقل نشاط بالسويد .
“لا قدرانة فل ولا قدرانة إبقى” (لا أستطيع الذهاب ولا البقاء).. هكذا تعبّر “سعاد” عن حالة الضياع التي تعيشها.. لكن هذه الجملة تعبّر عن حال الكثير من اللاجئين الذين يعيشون في السويد على وجه الخصوص..
بينما تقول امرأة سورية أخري “أريد أن أكون هناك”.. هكذا تصف ” أم شهد” حالتها.
” أم شهد ” السيدة السورية القادمة والتي في بداية الثلاثينيات وأمٌ لطفلين تشعر بغربةٍ حقيقة “في المكانين” بحسب ما تقول، وتتابع…. عندما أنظر إلى صور أصدقائي الذين لا يزالون في دمشق أشعر بغيرةٍ حقيقية، أريد أن أكون معهم.. أن أشاركهم الاحزان والافراح رغم سوء أوضاعهم، وعلمي بأنهم يحسدونني على العيش في السويد.
انا حصلت علي الاستقرار والهدوء ومميزات السويد ..وهم لديهم الاهل والصحبة والحياة الاجتماعية وراحة القلب .
أعلم أني كنت أشعر بالغربة عند زيارتي الاخيرة لسوريا ، وأعلم كثيراً أنه لا يمكنني التأقلم في حال عدت للعيش هناك ، لقد تعودت عن نظام الخدمات السهل والمميز في السويد ، والتسوق والدخل المالي المعيشي الميسر ، والمدارس والرعايا الصحية المجانية للاطفال في السويد.
لذا أعتقد أنني أحنّ إلى حياتي القديمة وماضيي في سوريا ، ولكني أريدهما حاضرين في حياتي الجديدة في السويد لتصبح مثالية، لأكون كأي إنسان عادي لديه كل ما بناه في حياته حوله”. اريد سوريا والسويد معا ..!
أعيش في بلدين بآنٍ واحد..
تفرضُ الحربُ الدائرة في سوريا منذ سنوات وتدمير مدن سورية ، إيقاعها على تفاصيل حياة السوريين في السويد، إذ لا يمكن أن يمتنعو عن متابعة مصائر أهلهم وأحبائهم الذين بقيوا في الداخل السوري ، لكن تفاصيل الحياة تشغلهم في السويد فالحياة السويد بها رفاهية ولكن بمقابل الجهد والنشاط طوال اليوم ولا وقت للاجتماعيات .
ان هذا الاستقرار في السويد يجعلهم يعيشون صراعاً من نوعٍ آخر، بحسب ما يعيش الشاب “خالد الحلبي” والذي يدرس اللغة السويدية حالياً في مدينة فيستروس السويدية.
ريبورت يوهانسن الخبير بشؤون اللاجئين في السويد والذي يعمل على مساعدتهم في الاندماج يقول ان مشكلة اللاجيء الجديد “أعتقد أنها مسألة وقت،… تشتت الانتماء أمر طبيعي في البداية ريثما يجد الشخص الطريق الواضح لمستقبله في البلاد الجديدة.
انقطعت عن الأخبار.. وأعيش في اللامكان..
قررت ” شذي ” أن تنقطع عن متابعة الأخبار نهائياً في سوريا ، أن تنفصل عن سوريا ، لكنّها “تتلصص بين الحين والآخر” على ما يحدث لأصدقاءها في سوريا بحسب تعبيرها ، ” شذي ” فتاة في الــ 26 عام ، قررت أن تبدأ حياتها في السويد كاسويدية حتي ان لم تكن كذلك ، هي تعتبر ان الانسان يمكن ان يعيش في اي مكان ويبدأ من جديد ، وينتمي مع الوقت للبلد الجديد ، وقالت انها تحب مجتمعها السوري وبلدها سوريا ، ولكن يجب ان تعيش للمستقبل وليس بالماضي .
أما ” سناء” التي زارت سوريا بعد قدومها إلى السويد لم شمل ..فتقول “خلال ثلاث سنوات من غربتي هنا بالسويد شعرت بتقلباتٍ مختلفة، في البداية كنت سعيدة جدا بالسويد والحياة وسهولة المعيشة والخدمات ، ومع الوقت بدأ الحنين لوطني سوريا ومجتمعي وحياتي في سوريا ، وشعرت بالغربة والخوف والاكتئاب في السويد ، لكن بعد زيارتي الأولى لسوريا بعد ثلاث سنوات بدأت أشعر بعدم تقبلي للكثير من التفاصيل التي كنت أمارسها في سوريا ، من الصعب ان اعود لسوريا .
أصبحت هناك اشياء تجعلني أشعر بأنني لا يمكن أن أعيش هناك في سوريا ، كما أن الناس هناك يعطونك شعورا بأنك لم تعد تنتمي إليهم، فلقد تجاوزوا غيابك، أكملوا حياتهم، ودائماً منذ وصولي يسألونني متى ستسافرين”
الخبير في شؤون الاندماج ريبورت يوهانسن يقول “إن هذا لاشعور من شأنه أن يعيق عملية الاندماج في كثير من الأحيان، حيث يخلق عوائق نفسية لمتابعة سير عملية الاندماج، خاصةً إذا ما كان الشخص لا يزال يملك عائلة في الوطن، يعاني من صعوبة لم الشمل. لكن الحل ليس بيد اللاجئين أنفسهم فقط،
إذ أن المسؤولية تقع على الطرفين اللاجئين ودول اللجوء التي يجب أن تزيل العراقيل القانونية على الأقل. كما أنه على اللاجئين عدم الاستسلام في حال ظهور عائق، وأن يعرفوا أن التاقلم والعيش يجب أن يكون في مكان واحد دون تشتيت والتركيز على المستقبل والعمل لأجل ذلك”.
وتقول اخير “سناء” قررت بعد عودتي من سوريا أن أقتنع أن هنا في السويد هو مكاني، ويمكن تعويض اجتماعيات سوريا ،بمجتمع المهاجرين هنا ، فنحن اصبحنا هنا لدينا مجتمعنا الخاص ، ربما لدينا سوريا مصغرة ، اعيش في مجمع سكني كلها سوريين وعرب ، لدينا بقالة عربية ، لدينا معلمين ومعلمات عرب سوريين وعراقيين وغيرهم ، المسجد والحدائق ، سائقي الباصات …الكثير حولي سوري عربي .
وبانتظار تخطي عتبة الحنين والماضي، والمضي بشكلٍ أسرع نحو المستقبل، لا يزال الكثيرون معلقين بين وطنين، فيما يبحثُ آخرون عن وطنٍ ربما يكون ثالثا غير ما مضى وما هو حالياً…