مهاجر نيوز

مهاجر عراقي في مراكز الاحتجاز البولندية: الضرب ورذاذ الفلفل والصعق بالكهرباء جزءا من يومياتنا هنا

لو حدث هذا الأمر في بلداُ خارج الاتحاد الأوروبي لغضبت المنظمات والمؤسسات الأوروبية ، وتحدثت وسائل الإعلام الأوروبية عن غياب الإنسانية ، ولكن أن يحدث هذا الأمر داحل حدود الاتحاد الأوروبي ودون تعليق من أي بلداُ أوروبياً فالامر يشعرك بالغثيان والقرف … الكاتب الألماني تو ماس بارتليك .




ليث، 24 عاما، شاب عراقي من بغداد آثر الهجرة بعيدا عن بلاده هربا من تهديد بالقتل. هو اليوم في بولندا، وصل إليها من بيلاروسيا. شارك ليث مهاجر نيوز قصته، وتحدث عن الأوضاع المأساوية التي يعيشها برفقة نحو 700 مهاجر آخرين، في أحد مراكز الاحتجاز البولندية على الحدود مع بيلاروسيا.




وصلت إلى بيلاروسيا في الخامس من آب\أغسطس الماضي. توجهت مباشرة في اليوم التالي إلى الحدود مع ليتوانيا، كان كل همي أن أصل إلى أي دولة في الاتحاد الأوروبي لطلب اللجوء، لكن الظروف على الحدود الليتوانية أرغمتني على تغيير رأيي، كان من شبه المستحيل أن أتمكن من العبور.




عدت في اليوم نفسه إلى مينسك وأنا أشعر بالخيبة، فأنا لا أريد البقاء في بيلاروسيا وبالتأكيد لا أخطط للعودة إلى العراق، فحياتي هناك مهددة فضلا عن أنه لا مستقبل أمامي هناك. في المساء التقيت بأشخاص في مينسك قالوا لي إن بولندا فتحت حدودها، وإنه هناك طريق مباشر إلى ألمانيا. فجر الثامن من آب\أغسطس كنت قد عبرت الحدود باتجاه بولندا مع مجموعة من الشبان العراقيين. لم نعرف إلى أين نتوجه، كنا نسير وفقا لتطبيق نظام تحديد المواقع. لم يطل الأمر كثيرا قبل أن تقبض علينا دورية تابعة لحرس الحدود.




نقلونا إلى قرية على الحدود مع أوكرانيا وأودعونا أحد مراكز الشرطة. أربعة أيام أمضيناها هناك حيث تم التحقيق معنا قبل أن يتم نقلنا إلى قرية أعتقد أن اسمها “بشاميش” حيث أمضينا مدة الحجر الصحي، لينقلونا بعدها في الـ25 من آب\أغسطس إلى هذا المركز.





“لا نعرف حقوقنا ولا آلية عمل نظام اللجوء”

بداية لا بد لي من توضيح فكرة أن ظروف إقامتنا هنا لا يمكن مقارنتها بظروف المساكين القابعين في الهواء الطلق على الحدود، فلدينا هنا تدفئة ونتناول الطعام ثلاث مرات في اليوم. لكن عدا ذلك كل ما يحيط بهذا المركز سيء.





نقيم في مجمع متواجد في منتصف قاعدة عسكرية، أعتقد ذلك لأننا نسمع صراخ الجنود وهم يتدربون كل يوم، فضلا عن إطلاق النار والقذائف. الزيارات هنا ممنوعة، حتى بالنسبة للمنظمات الإنسانية، كلما حاولنا الاستفسار عن حقوقنا أو ما إذا كان يمكن طلب محام للقائنا هناك نواجه بالرفض.





ما من أحد هنا أوضح لنا ما هي حقوقنا أو كيفية عمل نظام اللجوء أو كيف يمكننا أن نطلب اللجوء حتى. ثلاثة أشهر أمضيتها في هذا المركز دون أدنى فكرة عما سيحصل معي في الفترة المقبلة.




المعاملة سيئة للغاية، غالبا ما نتعرض للرش برذاذ الفلفل أو الصعق بالمسدسات الكهربائية إذا ما شعر الحراس أن هناك اعتراض لدينا. الإجراءات الأمنية مشددة للغاية، حتى أننا إذا أردنا التوجه للمطعم لنحصل على وجبة طعام، ترافقنا مجموعة من الحراس وتعود معنا. يحرص القيمون على هذا المركز على أن يظهروا لنا أن الهرب شبه مستحيل، وإن ضبط أحدنا وهو يحاول الهرب فسينال عقوبة مباشرة بالسجن لمدة سنة ونصف.




رذاذ الفلفل ومسدسات الصعق الكهربائي

طبعا بالظروف سالفة الذكر، تسيطر على نفسيات المقيمين هنا حالة من الوجوم والإحباط، تفجرت يوم 25 تشرين الثاني\نوفمبر الجاري. عدد من المقيمين خرجوا بتظاهرة في ساحة المركز يصرخون “حرية” باللغة الإنكليزية. لم يكونوا عنيفين ولم يشكلوا خطرا داهما على حياة أحد، كل ما طالبوا به هو أن يتحدث أحد ما إليهم ويجيبهم على تساؤلاتهم.




رد فعل السلطات كان عنيفا للغاية، أعداد ضخمة من الحراس المدججين اقتحموا المركز، رشوا الجميع برذاذ الفلفل، ضربوا عددا لا بأس به، اقتحموا غرف النوم ودمروها بشكل كامل، وجمعونا كلنا في الساحة لأكثر من ساعتين بظروف مناخية باردة للغاية.




أحد المهاجرين تمكن من إخفاء هاتف ذكي بعيدا عن أعين الحراس، صور جزءا من تلك الأحداث ونشرها على إحدى الصفحات على الفيسبوك. في اليوم التالي قامت الإدارة بتركيب كاميرات مراقبة في كافة أنحاء المركز، فضلا عن قيامها بحملة تفتيش بحثا عن الهواتف الذكية.




أريد أن أذكر أن التصوير داخل المخيم ممنوع، حتى أنهم صادروا كافة الهواتف الذكية التي كانت بحوزتنا، يسمح لنا فقط باقتناء هاتف من دون كاميرا. كما أن الوصول إلى الإنترنت صعب جدا، فقد خصصوا لكل 150 شخصا تقريبا حاسوب واحد، يتناوبون عليه لتصفح الإنترنت. خلاصة القول، نحن نخضع للرقابة على مدار الساعة، ما يضيف على مشاعر القلق التي تنتابنا والضغط النفسي الهائل الذي يرافقها.




عمليات الترحيل مستمرة عبر قطر!

كل هذا وعمليات الترحيل لم تتوقف. في العادة كانوا يأخذون أشخاصا معينين بحجة القيام بفحوصات كورونا روتينية، ليتفاجأ هؤلاء بوصولهم للمطار وإرغامهم على الصعود إلى إحدى الطائرات المتوجهة لقطر بالقوة. هناك يمضي المرحلون يومين مع الحراس البولنديين الذين يرافقونهم في الرحلة التالية إلى بغداد. هذا ما حصل مع عدد من الأشخاص الذين تعرفت إليهم هنا، لا أعرف لما قطر بالتحديد ولكن هذا ما حصل.




وأنا أتحدث إليك الآن، وصل استدعاء لـ25 شابا، طلبوا منهم جمع حاجياتهم، يبدوا أنه سيتم ترحيلهم قريبا. طبعا لا يمكن لأحد أن يعترض أو يبدي استهجانه، سيقومون بضربه وضرب من يقف معه بعنف، نعيش بخوف حقيقي هنا.

 

أود أن أطرح موضوعا آخر وهو أوراق المحكمة التي تصل لطالبي اللجوء هنا، جميعها باللغة البولندية كما أنه ما من مترجمين ليساعدونا. من جهة أخرى، هي تصل متأخرة للغاية. فحوى تلك الأوراق هي قرارات رفض طلبات اللجوء، لكن مع السماح لأصحاب الملفات بتقديم طعن خلال مدة أسبوع من صدور القرارات. إلا أن تلك القرارات تصل متأخرة أسبوعا أو أسبوعين، أي بعد انقضاء مهلة الطعن، ما يعني الترحيل المؤكد.




بالنسبة لي لن أطلب الحماية الدولية هنا، فهي لم تؤمن الحماية لغيري، كما أنني حتى لو نلتها لا أريد البقاء في بولندا. هم لا يريدوننا هنا، ويحرصون على إبراز ذلك لنا، فكيف لي أن أرتضي البقاء لدى أشخاص لا يريدوني العيش بينهم. طبعا هذا يتركني معلقا في الهواء، فمن جهة لا حماية لدي هنا ومن جهة أخرى لو تمت إعادتي للعراق سأموت بشكل شبه مؤكد.

قصتي هذه تنطبق على الكثيرين غيري ممن غادروا العراق هربا من الموت والفقر والجوع، فمن سيشفع لنا وكيف ستكون النهاية، لا أعلم؟



مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى