مقال لكاتب سويدي : عندما طلب ملك السويد كارل الثاني عشر الحماية واللجوء من الأتراك
الزمن يوجد لنا التاريخ ، والتاريخ سجل الأُمَمٌ.. وقد تختلف المجتمعات باختلاف الأزمنة فترتفع أُمَمٌ وتهبط أُمَمٌ أخرى ، وفي مقال للكاتب السويدي لارس اولف مانكل ، نقل لنا لحظة زمنية في تاريخ الأمة السويدية تتعلق بالملك السويدي الأكثر شهرة كارل الثاني عشر (بالسويدية: Karl XII) ،
حيث كان هذا الملك قائد الجيش السويدي الإمبراطوري الذي هُزم هزيمة قاسية أمام الإمبراطورية الروسية في معركة بولتوفا في أوكرانيا ، وقد سجل التاريخ هذه المعركة بإنها هزيمة منكرة للأمة السويدية على يد القيصر الروسي بطرس الأكبر أنهت مكانة السويد كقوة عظمى أوروبية.
ولكن المفارقات التاريخية لا تتوقف بين حرب روسية سويدية على أراضي أوكرانية أنهت الإمبراطورية السويدية العظمى في معركة بولتوفا في أوكرانيا ، ولكن أن هذا الملك السويدي وبعد أن هُزم هزيمة منكرة على يد القيصر بطرس الأكبر. لجأ إلى الدولة العثمانية لطلب الحماية ، والدولة العثمانية أنذاك كانت قوة عظمى مهابة في العالم و عدوة تقليدية لروسيا ، ويحدثنا الكاتب في مقاله عن إقامة ملك السويد كارل الثاني عشر وحاشيته الكبيرة وبقايا جيشه المهزوم كلاجئين لدى الدولة العثمانية !
يقول الكاتب أن وفقاً للسجلات التاريخية الموثقة – فأن ملك السويد كارل الثاني عشر وبعد هزيمته في معركة بولتافا في يوليو 1709 لجأ إلى الدولة العثمانية طالباً منها الحماية ، حيث أقام في بلدة “بيندير” في البغدان بإذن السلطان العثماني أحمد الثالث الذي وافق على طلب الحماية للملك السويدي،
وقد أذن السلطان العثماني أيضا للملك بإقامة تجمع سكاني صغير هناك يضم كل اللاجئين السويديين الذين رافقوا كارل، بشرط أن يتحمل الملك نفقات إقامته هو وحاشيته وبقايا جيشه ، ونتيجة لذلك لقبه العثمانيون ب”دميرباش” Demirbaş أي “الرأس الحديدي”، ورغم ما في اللقب من التهكم والاستهزاء فقد قبل ملك السويد به مبدئيا، وعين السلطان أحمد طبيبا يهوديا برتغاليا لعلاج الملك الذي كان يعاني من جرح بليغ جعل حرارته ترتفع باستمرار.
ووفقاً للسجلات التاريخية لم يستطيع ملك السويد العودة للسويد حيث كان الجيش الإمبراطوري الروسي ينتظره ويترقب خروجه من حماية الدولة العثمانية للانقضاض عليه …
كارل الثاني عشر ملك السويد -وثيقة ديون الملك للتجار الاتراك
وبعد فترة زمنية اقام الملك السويدي لنفسه إقطاعية كبيرة مارس خلالها التجارة والسلطة الفعلية ، و بدأ السلطان أحمد الثالث يشعر بالانزعاج من إقامة ملك السويد ومن نشاطه ، كما تكررت الشكاوى من تجار وأهالي المدينة حول اختلاس اللاجئين السويديين للأموال وفرض الإتاوات وممارسة أعمال تخالف قوانين وقواعد المجتمع العثماني ،
كما امتنع الملك وحاشيته عن تسديد لأموال كانوا اقترضوها من تجار المدينة ، إضافة إلى ما وصل إلى مسامع السلطان أحمد من مؤامرات يحيكها ملك السويد داخل البلاط العثماني نفسه (لم تكن مؤامرات أكثر من كونها علاقات خاصة لملك السويد مع أمراء عثمانيين يجد السلطان العثماني أحمد الثالث أنهم منافسين له في الجلوس على العرش العثماني آنذاك) .
لذلك قرر السلطان العثماني نقل ملك السويد كارل إلى مدينة أدرنة ، ولكن ملك السويد كان قد أثار الفوضى وتمرد على عملية نقله وقرار السلطان العثماني ، فهاجت العامة ومعها عساكر الانكشارية العثمانية ، وهاجمت مقر إقامة الملك السويدي كارل وأتباعه وقامت بتخريبه ، ولكن السلطان العثماني أصدر أوامره إلى الانكشارية بعدم قتل الملك والاكتفاء باعتقاله، مطلقا عبارته الشهيرة: “علينا إكرام الضيف وإن كان غير مسلم ..فنحن لا نغدر بمن طلب حمايتنا”.
وهكذا نقل الملك كارل الثاني عشر إلى أدرنة ، ووضع تحت الإقامة الجبرية وعزله عن حاشيته مع بقاء عائلته ومساعديه معه ، ومن هناك بقي يسير مملكته “السويد” عبر إرسال السعاة الذين لم يكونوا يتوقفون نهائيا ذهابا وإيابا بين الأراضي العثمانية والسويد. ونُقل بعد ذلك إلى إقامة جبرية جديدة في العاصمة إسطنبول حيث كان السلطان أحمد يريد مراقبته لمنعه من إقامة أي علاقات مع أمراء البلاط العثماني .
وبالفعل اجتمع ملك السويد مباشرة بالسلطان أحمد الثالث وكانت بينهم صداقة وود “محدود”، كما طلب ملك السويد من السلطان العثماني أن يسمح له بدراسة الجغرافيا والبحرية والهندسة وفنون التصنيع العثماني ، واطلع ملك السويد على مظاهر التفوق العسكرية والتقني والعلمي العثماني. وحينما طلب السلطان أحمد من ملك السويد الرحيل إلى بلاده، تلكأ هذا الأخير وماطل، وبقي يتظاهر بالمرض لمدة عشرة أشهر، وفي نهاية عام 1714 رحل إلى السويد بدعم عسكري عثماني …
وذلك بعد أن تلقى تهديدات بخلعه عن العرش حاملا معه كتاب حماية من السلطان العثماني، يمنع أي دولة أوروبية من التعرض إليه في رحلته عبر دول أوروبية وأرسل معه السلطان العثماني حماية عثمانية لحمايته وحماية نساءه وابناءه وحاشيته ، وقد تمكن كارل من الوصول إلى بلاده في ظرف أسبوعين فقط ،حيث لم يكن للروس أو أعداء ملك السويد الرغبة أو القدرة للاعتداء على الحامية العثمانية المرافقة لملك السويد خوفا من رد فعل السلطان العثماني .
وفور عودة الملك السويدي كارل الثاني عشر للسويد ..حاول بناء جيشه بالمفهوم العثماني المتطور و جهّز بالفعل الجيش خلال عامين ، وفي عام 1716 م خطط وتحرك لغزو النرويج . واستطاع الوصول لمنطقة هالدن النرويجية على الحدود السويدية النرويجية حاليا ، ولكن صرعته رصاصة أحد جنود المشاة المسلحين بالبنادق قديمة الطراز المعروفة بالمسكيت . وقد كلفت حملاته العسكرية ثروات طائلة ، ولم تعد السويد بعد وفاته معترفاً بها كدولة أوروبية كبرى حيث دخلت تدريجيا لمرحلة ضعف وفقر إلى العصر الحديث .
ويختم الكاتب مقاله بالقول ” أن هذه اللحظات التاريخية هي سجل مهم للأمم ، ومن الجيد أن يتعرف عليها الأجيال المتلاحقة ،فهي ترسم صورة لكيفية صعود المجتمعات والإمبراطوريات وهبوطها وتعطي صورة عن إمكانية التعايش السلمي باختلاف المعتقدات .. و دور الحروب وقادة الحروب في تدمير المجتمع وتحويل الشعوب للاجئين بل وتحويل الملوك انفسهم لهاربين باحثين عن الحماية .