ما هو قانون حرية التعبير في السويد الذي يسمح بحرق “المصحف” وحماية من يقوم بذلك!؟
كانت حادثة أمام المسجد الكبير في ستوكهولم سبباً مباشر لإثارة العديد من الاسئلة حول قانون حرية التعبير . فالقانون في السويد لا يستهدف “القرآن” بشكل خاص ، فهو قانون يسمح بإحراق أي علم أو كتاب أو مستند، شرط أن لا يتم التحريض على فئة معينة أثناء ذلك.
الخبير في قانون حرية التعبير نيلس فونكه وهو محاضر جامعي وخبير بقانون حرية التعبير يشرح ماهية هذا القانون .
لدينا هنا في السويد تاريخ طويل في حرية التعبير وتقبل الآراء المختلفة فحرية التعبير هي شرط أساسي للتنمية الاقتصادية والعلمية، وضمان التقدم البشري، لذلك من الضروري أن يسمح لنا بقول ما نريد. قول ما نريد كما يقول نيلس فونكه هو من المعايير الأساسية في هذا القانون الذي قد يعتبره البعض أكثر ليبرالية بالمقارنة مع قوانين حرية التعبير في بلدان أخرى.
ففي السويد بإمكان انتقاد أمور كثيرة ومنها الأديان وهو ما بات قانونياً منذ سبعينيات القرن الماضي عندما تم حذف ازدراء الأديان من الأمور التي يجرمها القانون، ويوضح نيلس فونكه أن انتقاد الدين نفسه أمر قانوني تماماً سواء أكان الأمر يتعلق بانتقاد القربان المقدس أو الحكايات الخيالية الموجودة في الكتب المقدسة مثل التوراة أو القرآن.
الحرية الدينية وممارسة المعتقدات في السويد تعني بأن للجميع الحق في ممارسة أي دين يريدونه طالما أن ذلك لا يخالف القانون، مثل الزواج المتعدد أو زواج القاصرات، وهذا يعني أيضاً كما يقول نيلس فونكه أن الأديان ليست من المقدسات فيسمح للجميع بانتقاد أي دين والتشكيك فيه لكن مع التشديد على عدم مخالفة القانون، أي أنه يمكنك الانتقاد دون التحريض على كراهية فئة معينة كما يقول نيلس فونكه.
يعتقد كثير من الناس أن السويد تسمح بحرق المصحف لكنهم لا يسمحون بحرق الانجيل وهذه فكرة خاطئة. قانون حرية التعبير يضمن إمكانية انتقاد أو الكلام عن أي دين بغض النظر عما إذا كان الانجيل أو القرآن أو حتى الدستور السويدي أو أي إعلان سويدي لحقوق الانسان مهما كانت الكتابة أو المستند فيمكنك بالطبع فعل ما تريد وانتقاده بالقدر الذي تريد.
إذاً القانون السويدي لا يجرم على سبيل المثال حرق الكتب السماوية أو حتى العلم السويدي أو علم المثليين كنوع من الاحتجاج أو التعبير عن الرأي، لكن ما قد يعتبر جريمة هو الخطاب أو الكلام الذي تقوله أثناء الاحتجاج، أي أن تقوم بالتحريض على فئة معينة من الناس أثناء الاحتجاج، هذا هو أمر مخالف للقانون.
وفق القانون السويدي المتعلق بحرية التجمع تقوم الشرطة بمنح تصاريح حق التظاهر والتجمع بهدف التعبير السلمي عن الرأي ولكن باستطاعتها رفض منح التصاريح إذا ما رأت أن التجمع قد يؤدي إلى مشاكل أمنية قد تشكل خطراً على حياة الناس أو أمن الدولة، وهذا ما لجأت إليه الشرطة في فبراير هذا العام عندما رفضت منح تصريح لراسموس بولدان الذي أراد حرق نسخة من القرآن بعد قيام المخابرات السويدية بتقييم مفاده أن خطر الإرهاب ضد السويد ارتفع بسبب حرق القرآن، لكن المحكمة الإدارية رفضت قرار الشرطة.
تحرص المؤسسات السويدية على التزام الأفراد والمؤسسات بالقانون وتطبيقه بصورة صحيحة، وعملية حرق القرآن الأخيرة التي حدثت أمام المسجد الكبير في ستوكهولم أول أيام عيد الأضحى جاءت بعد حصول الرجل على تصريح يسمح له بالتظاهر السلمي بموجب قانون حرية التعبير، وبعد انتهاء التظاهر قامت الشرطة برفع دعوى ضد الرجل للاشتباه بقيامه بالتحريض والكراهية ضد فئة عرقية معينة والقضية لا تزال مفتوحة.
إذاً أين تقف حدود التعبير عن الرأي نيلس فونكه يقول إن القانون السويدي يوضح الحد الفاصل بين حرية التعبير وبين التحريض ضد جماعات معينة.
القول إن التحريض على المسلمين والمسيحيين والمثليين جنسياً أو أي مجموعة هو أمر مسموح في السويد هو أمر خاطئ للغاية. هناك حدود للتعبير والانتقاد وتتم كل عام العديد من المحاكمات والادانات للتحريض ضد الجماعات العرقية هنا في السويد.
تقع على عاتق البرلمان السويدي حفظ وضمان استمرارية حرية التعبير المحمية بموجب الدستور السويدي ولحرية التعبير حدود، حيث لا توجد حرية تعبير كاملة وحدود هذه الحرية تختلف بين عوامل كثيرة منها تقاليد وعادات البلد.
ويؤكد نيلس فونكه أن البرلمان السويدي هو الذي يشرع القوانين التي تحدد إلى أين تتجه هذه الحدود. على سبيل المثال في بلدان معينة لا يسمح لك بإبداء رأي شخصي أو مناقشة موضوع السماح لاثنين من نفس الجنس بالزواج وفي دول أخرى يحظر حتى مناقشة الهولوكوست، بحيث يختلف ذلك اختلافاً كبيراً بين الدول والثقافات المختلفة، وهذا ما يفسر إمكانية حرق القرآن في السويد قانونياً، بينما يعتبر الأمر مخالفاً للقانون في دول أخرى.
وعادة ما تحصل تغيرات طفيفة في قانون الحرية التعبير في السويد لتلائم مصالح الشعب لا مصالح الدول الأخرى، على سبيل المثال إضافة مجموعات عرقية جديدة لحمايتها من الاضطهاد والتعرض للعنصرية.
تغيير قانون حرية التعبير لن يتم بسبب ضغوطات من الدول الأخرى، إذا كان المرء يعتقد أنه يوجد قانون ما يشعره بالاضطهاد فعليه أن يحاول بالنقاش والمحاورة إيصال فكرته ومحاولة تغيير القانون يقول نيلس فونكه محاضر جامعي وخبير بقانون حرية التعبير.