كاتب سويدي: السوريون لا يغادرون السويد لوطنهم “سوريا” وإنما للبحث عن وطنٍ هجرة جديد.
هل يعود المهاجرون السوريون في السويد إلى بلادهم بعد حصولهم على الجنسية السويدية؟ لنكن واقعيين، الإجابة الواضحة هي لا، إلا في حال فقدوا حس الفكاهة بالكامل وقرروا الانضمام لبرنامج تلفزيوني عن التجارب الشاقة.
تخيل معي، مواطن سوري وصل إلى السويد بعد رحلة شاقة خسر فيها كل مايملك، بحثاً عن الأمان والاستقار، ثم قضى سنوات عديدة في تعلم اللغة السويدية ومحاولة التكيف مع طقس البلاد البارد وأسلوب الحياة وأنجب أطفالاً وكبر أطفاله. وبعد أن حصل على الجنسية السويدية، هل يمكن أن يكون من المنطقي أن يقرر فجأة العودة إلى بلداً محطم يعيش فيه مثل سوريا؟ حتى لو كانت وطنه. بالطبع، من منظور علم النفس الساخر، قد يبدو هذا القرار قريباً من الجنون!
فمن غير المنطقي أن يترك المهاجر السوري السويد كبلد متقدم ليعود إلى سوريا بحثاً عن “مستقبل أفضل”. هنا تدخل السخرية من الباب الواسع. هل يعقل أن يفضل أحد العيش في بلد يعاني من اقتصاد منهار، وبنى تحتية متآكلة، وفساد يلتهم كل فرصة؟ ودكتاتورية مقيتة! بالطبع لا! إلا إذا كان هذا الشخص يرى في التحديات فرصة للنمو، ولكنه للأسف سيحتاج إلى ما هو أكثر من التحفيز الذاتي ليبقى على قيد الحياة.
إذا افترضنا للحظة أن الأب أو الأم فكروا في العودة لأرض الأجداد والحضارات سوريا، فهل يمكنهم إقناع أبنائهم الذين نشأوا في السويد وتلقوا تعليماً جيداً وخدمات صحية متقدمة ورفاهية معيشة واستمتعوا بالحرية والأمن والأستقرار بالتخلي عن هذه الحياة الأمينة المريحة؟
يمكن أن تكون هذه المناقشة العائلية مثل عرض كوميدي ولكنها كوميديا سوداء، حيث يقف الأب في زاوية يتحدث عن “جذور الوطن” والمجتمع النشط والذكريات الجميلة والطقس الدافئ والطعام السوري الشهي والجيران والاقارب ..بينما يجلس الأبناء في زاوية أخرى يتحدثون عن فرص العمل ومستقبلهم المهني. النتيجة المتوقعة؟ الاستماع ثم الاستماع، وربما ترك الوالدين يسترسلون في هذه القصص بينما يقلب الأبناء في هواتفهم عن فيديوهات الثقافة الغربية ويراسلون زملائهم باللغة السويدية.
الحقيقة القاسية
في النهاية، لن نضحك على بعضنا البعض. السوري الذي يفكر بترك السويد هو لا يريد العودة لوطنه الحبيب ، فهو لن يتحمل أحضان وطنه الدافئة التي قد ترحقه هو وابناءه، المهاجر السوري الذي يخطط بترك السويد بعد حصوله على الجنسية السويدية، في الغالب، يهدف إلى الانتقال إلى بلد آخر أكثر قبول له من السويد، وليس إلى سوريا المحطمة .
ربما تكون وجهته مصر أو الخليج وتركيا أو بلد أوروبي أكبر من السويد مثل ألمانيا وبرطيانيا وربما لو استطاع الزحف لأمريكا لفعل، حيث يمكنه الاستمتاع بمزايا المعيشة الأقل تكلفة مقارنة بالسويد والأكثر صخباً، ولكن مع الحفاظ على مستوى معين من الرفاهية والاستقرار. هذه الحقيقة تعكس بشكل صارخ سخرية الواقع، حيث يبحث الناس دائماً عن المكان الذي يجمع بين الفوائد القصوى والمخاطر الدنيا.
في الختام، يبدو أن فكرة ترك السويد من أجل العودة إلى سوريا بعد الحصول على الجنسية السويدية هي مجرد فكرة رومانسية بعيداً عن الواقع، وربما ينبغي وضعها في إطار السخرية بدلاً من النقاش الجاد. ومع ذلك، تظل الخيارات الشخصية في الحياة مفتوحة، وكل إنسان حر في تحديد مستقبله حتى وإن كان مستقبله يبدو ساخراً للبعض.