في ذكرى معركة المطار .. معركة حسمت غزو العراق وسقوط بغداد .. أشرس المعارك لصد القوات الأميركية
معركة المطار ( مطار صدام سابقاً) المعركة الوحيدة البرية التي انتشر صيتها أثناء الغزو الأمريكي للعراق … معركة غامضة كان فيها الكثير من الأخبار التي تناقلتها وسائل إعلام عالمية في مثل هذا اليوم 4 إبريل 2003 … ماهي هذه المعركة وما خفاياها وفقاً لروايات الجانب الأمريكي وجنرالات جيش صدام .
دكت قوات التحالف الغربي الأمريكي بغداد لمدة 15 يوم بأحدث وأعنف ما صنعته البشرية من أسلحة فتاكة .. جميعها أُستخدم لأول مرة بحرب غزو العراق …. حيث بدأت القوات الأميركية وحلفاؤها تنفيذ عملياتها العسكرية الهادفة لغزو العراق متوعدة صدام حسين ونظامه وجيشه بمعركة تحت أسم ( الصدمة والرعب) وهو أسم يحمل معاني حقيقة فيما حدث من قصف للعراق … بدأ في 19 مارس/آذار 2003، وانتهت في الأول من مايو/أيار من العام نفسه بإسقاط النظام العراقي، وتخللها السيطرة على العاصمة بغداد في 9 أبريل/نيسان. ولكن معركة مطار بغداد (صدام) سابقاُ بدأت فعليا يوم 4 إبريل وانتهت يوم 9 إبريل باحتلال بغداد
حرب ضارية تلك التي تعرض لها العراق من الولايات المتحدة وحلفائها؛ إلا أن أشد ما كان فيها من معارك تمثل بمعركة مطار بغداد الدولي، التي استمرت عدة أيام وكانت ذروتها في 4-5 أبريل/نيسان، حيث جرت معركة ضارية بين القوات العراقية بقيادة الحرس الجمهوري الخاص..وهو يمثل قوات النخبة العراقية -وفدائي صدام -ومتطوعين عرب -ضد جيش الولايات المتحدة والأميركية قوات النخبة المارينز ، والتي حسمت لصالح الأميركيين، ومهدت لدخولهم بغداد وإسقاط النظام.
مطار بغداد الدولي
يقع مطار بغداد الدولي إلى الغرب من العاصمة بغداد على بعد نحو 16 كيلومترا، ويعد أكبر مطارات العراق، فضلا عن كونه مركز العمليات الرئيس للخطوط الجوية العراقية.
ويتمتع المطار بأهمية إستراتيجية كبيرة على المستوى العسكري، حيث إنه يقع في الخاصرة الجنوبية الغربية للعاصمة، وينفتح على العاصمة من خلال طريق بري سريع يؤدي لمركز مدينة بغداد.
خلال الحرب، شهد المطار أعنف معركة بين القوات العراقية المدافعة عن العاصمة وبين القوات الأميركية، التي اندفعت نحو العاصمة بعد أقل من أسبوعين من بدء الغزو.
لم تكن الحرب متكافئة، فالعراق يئن تحت حصار دولي ممتد منذ عام 1991، والجيش لم يتمكن خلالها من تطوير معداته إلى جانب تحييد شبه كامل لسلاح الجو العراقي، نظرا للتفوق الهائل والكاسح لسلاح الجو الأميركي.
يقول قائد فيلق الحرس الجمهوري الثاني، الفريق الركن رعد الحمداني، في كتابه (قبل أن يغادرنا التاريخ) إن السبب المباشر الذي مكّن القوات الأميركية من الاندفاع السريع نحو بغداد ومطارها يكمن أنه في 2 أبريل/نيسان 2003 تلقت القيادة العسكرية العراقية توجيها مباشرا بسحب غالبية القوات من قواطع جنوب بغداد، وتوجيهها نحو شمال العاصمة وغربها من جهة محافظة الأنبار.وهذه كانت كارثة عسكرية غير محتملة !
ويذكر الحمداني أن هذا التوجيه كان نابعا من اعتقاد صدام حسين، الرئيس العراقي حينها، أن العمليات الأميركية جنوب العاصمة ما هي إلا مخادعة عسكرية بغية شن هجوم أكبر على العاصمة من القاطعين الشمالي والغربي. كما كان يعتقد صدام أن تشكيلات الجيش الاحتياطي قادرة على عرقلة تقدم الأمريكان حيث توجد في جبهة الجنوب الكثير من القرى والمدن العراقية التي يتكون عائق طبيعي لتقدم الأمريكان ..وهذا يختلف عن جبهة الغرب والشمال التي تعتبر مناطق مفتوحة لتقدم الأمريكان دون وجود ما يعرقلها
ورغم أن الحمداني أكد في كتابه أنه لم يكن موافقا على هذا التوجيه العسكري؛ إلا أن الأوامر كانت قد صدرت، وهو ما تسبب بتحويل مسار الحرب سريعا، وانهيار القطعات العسكرية العراقية مقابل الأميركية، التي استفادت من التفوق التقني والجوي، وهو ما أدى إلى دخول القوات الأميركية مطار بغداد الدولي، وفق قوله.
صمود العراقيين
ولكن لم تكن معركة مطار بغداد سهلة على القوات الأميركية، إذ إنه على الرغم من أن المطار كان منطقة عسكرية مغلقة، ولا يضم تجمعات سكانية مدنية، غير أن القوات الأميركية واجهت مقاومة شرسة لم تكن تتوقعها. ووفقا للمصادر الأمريكية كانت معركة المطار محدد لها 6 إلى 8 ساعات لكي يتم السيطرة وتدمير القوات العراقية ..ولكنها استمرت خمسة أيام كاملة …
يشير ضابط عسكري عراقي -اشترط عدم الكشف عن هويته- أن معركة مطار بغداد حسمت غزو العراق والعاصمة، وأن القوات العراقية التي شاركت في معركة المطار أبيدت بالكامل باستخدام أسلحة غير تقليدية منها الفسفور .
ويضيف المصدر -كان ضابطا في قوات الحرس الجمهوري- في حديثه للجزيرة نت أن معركة المطار أخرت سقوط العاصمة بغداد نحو 3 أيام، وأن القوات العراقية المدافعة عن المطار كانت تسقط تباعا؛ بسبب التفوق الجوي الأميركي لطائرات الأباتشي والمدفعية الأميركية، التي كانت تستهدف كل ما يتحرك في المطار ومحيطه.
ويتابع المصدر أن تمكن القوات العراقية من الصمود طيلة 72 ساعة حتى 48 ساعة يرجع لعوامل أهمها الخنادق وحقول الألغام واندفاع اللواء 26 في الحرس الجمهوري، الذي قُسِّم إلى مجموعات صغيرة، استطاعت التخفي والتحرك بأسلحتها المتوسطة، فكبدت القوات الأميركية خسائر فادحة، لا تقل عن قتل 300 جندي أمريكي في 48 ساعة ..إضافة إلى أن القوات المشاركة في الدفاع عن المطار كانت فدائية، وتعلم أن عملياتها هي للتأخير فقط.
ويؤكد هذا الطرح الصحفي مصطفى كامل، الذي كان الشاهد الوحيد على معركة مطار بغداد، حيث يقول في إفادة حصرية للجزيرة نت إن المناطق المحيطة بالمطار كانت مناطق عسكرية؛ إلا أنه استطاع زيارة منطقة شارع المطار، ليشاهد تفاصيل ما حدث في المعركة بين القوات العراقية والأميركية.
ويتابع كامل الذي كان سكرتيرا لصحيفة الجمهورية الرسمية، أنه في 5 أبريل/نيسان وعند تمثال عباس بن فرناس التقى مجموعة من المقاتلين من ضباط جهاز الأمن الخاص، وأكدوا وقوع معركة قادها أو ظهر فيها الرئيس العراقي حينها ضد القوات الأميركية، التي كانت قد تسللت من جهة مطار بغداد.
ويشير كامل أنه شاهد بأم عينيه عددا من المدرعات العسكرية الأميركية المحترقة عند شارع المطار، والتقط أجزاء منها، حيث إنها دمرت خلال محاولتها التقدم تجاه العاصمة بغداد، موضحا أن المدرعات العسكرية الأميركية المتفحمة وجدت في 3 مناطق قرب المطار، أولها وسط شارع المطار، وتحت جسر الخط السريع المار عند جامع أم الطبول، وأيضا مقابل السوق المركزي في حي العامل القريب من المطار.
3 معارك
من جهته، يقول وليد الراوي، العميد الركن في الجيش العراقي السابق وسكرتير وزير الدفاع العراقي بين عامي 1996 و2003، في شهادة تلفزيونية أدلى بها قبل سنوات، إن معركة المطار حسمت غزو العراق.
وأضاف الراوي أن مطار بغداد شهد 3 معارك وليست واحدة، لافتا إلى أن الجهد الرئيس للقوات الأميركية كان من جنوب بغداد، وتحديدا فرقة المشاة الثالثة الأميركية، التي تقدمت نحو المطار في 3 أبريل/نيسان، وسيطرت على أجزاء منه.
ويتابع أن الحرس الخاص العراقي واللواء 26 حرس جمهوري (ضفادع بشرية) شنّا هجوما مضادا، وعنيف أذهل القوات الأمريكية وأبادا طلائع القوة المهاجمة، التي ضمت 7 مدرعات أميركية، حيث انسحبت القوات الأميركية على إثر ذلك في اليوم ذاته باتجاه خط المرور السريع، الذي يربط منطقة اليوسفية بمنقطة أبي غريب.
ويذكر الراوي في شهادته أنه نتيجة لذلك، فتحت القوات الأميركية 7 خطوط نيران تجاه القوة المدافعة عن المطار؛ وتم قصف المنطقة بالطيران بأسلحة غير تقليدية مما أدى إلى إبادة القوات العراقية، واحتلال مطار بغداد للمرة الثانية في 4 أبريل/نيسان.
أما المعركة الأخيرة في 5 من الشهر ذاته، فأكد الراوي أن قوات الحرس الجمهوري شرع بعملية مضادة واسعة على المطار، في أخر قوة دفاع عن بغداد .. وجاءت الأوامر بالقتال حتى الموت .. وبالفعل تكبدت القوات الأمريكية خسائر فادحة من الهجوم ؛ إلا أن القوة أبيدت بفعل عدم تكافؤ النيران بين القوات الأميركية والعراقية، وتدخل القوات الجوية الأمريكية ..ما أدى لسقوط نحو ألف جندي عراقي خلال ساعات، وفق قوله.
وفي ختام حديثه، يعتقد الراوي أن القوات الأميركية استخدمت عتادا خاصا لمواجهة القوات العراقية وغير تقليدي ، خاصة أن الجنود العراقيين تفحموا خلال عمليات الصد بل وأن الكثير من شهداء المعركة لا آثر لجثثهم من القذائف التي صهرت أجسادهم ..ولكن لم يحدث تحقيق دولي لآن المنتصر أمريكا والمهزوم لا وجود له.
أما الضابط في الحرس الجمهوري، فيؤكد من جانبه أنه كان بالإمكان عرقلة سيطرة القوات الأميركية على المطار لو اتبعت القيادة العراقية خطة وزارة الدفاع، التي أشارت إلى وجوب تفخيخ المطار بالكامل، وبالتالي حرمان الغزاة من استخدامه، وفقه.
أسباب الهزيمة
وبالعودة إلى الحمداني في كتابه، يشير إلى أن عدم حكمة القرارات العسكرية التي اتخذت خلال غزو العراق، أدت إلى سرعة سقوط المطار وبغداد، لافتا إلى أن أحدا لم يكن يتوقع مقدرة القوات الأميركية على دخول بغداد بالسهولة والسرعة التي جرت، خاصة أن القوات الأميركية والبريطانية جوبهت بمقاومة عنيفة جنوب البلاد في الأيام الأولى للغزو.
أما مدير برنامج الأمن والدفاع في مركز صنع السياسات للدراسات الدولية، اللواء الركن ماجد القيسي، فيؤكد من جانبه أن الهدف الأميركي من الخطة التي استخدمت في غزو العراق والمسماة بـ”الخطّاف الواسع”، كانت تتمحور في الوصول إلى قلب بغداد من خلال السيطرة على المطار أولا.
ويضيف القيسي أن الأميركيين سرّبوا للعراقيين خطة مشابهة للمستخدمة؛ لكنها مخادعة، ما أدى بالقيادة العراقية إلى الاحتفاظ بـ13 فرقة عسكرية شمال بغداد، وبالتالي عدم استخدامها في معارك المطار والعاصمة، ظنا من القيادة العراقية أن الولايات المتحدة قد تبدأ هجوما مباغتا من الشمال، وفق قوله.
وبسيطرة القوات الأميركية على مطار بغداد الدولي، استطاعت الاندفاع سريعا نحو العاصمة، وفي غضون 3 أيام فرضت القوات الغازية سيطرتها على مجمل العاصمة ليسجل يوم 9 من نيسان/أبريل 2003 سقوط العاصمة العراقية (بغداد) بيد القوات الأميركية.