في أوروبا .. عائلة لاجئة تستبدل قناني البلاستيك مقابل المعيشة والتعليم
سورية أربعينية، تحتضن أطفالها .. وتحلم بتحقيق مستقبل مشرق لهم، بعيدا عن التشرد في رحلة لجوءهم لأرض الأحلام أوروبا.
خديجة لاجئة سورية ، وهي امرأة أربعينية قضت ثمانية أشهر من حياتها في بلدها الأم داخل سجون النظام السوري، تقول عن ما حدث لها في سوريا “كانت فترة صعبة، تعذيب ومضايقة وقهر وذل وضرب، لا أريد الحديث عن هذه الفترة، انها تذكرني بالخوف والحزن”، ومع ذلك تسترسل قائلة:”وجودي بالسجن في سوريا لم يكن سهلا، كلما تذكرت تلك الفترة أختنق، كل ما يخطر على بالك موجود في السجن… من نهش جسدك … حتى قلع الأظافر والقتل “.
اعتقلت خديجة مع زوجها عام 2014، وذلك بعد مذبحة كرم الزيتون في حمص حيث كانت تعيش، وفقدت فيها أصدقاء وأفراد من عائلتها، استطاعت خديجة أن تخرج من الاعتقال، ولكن زوجها لازال في عداد المفقودين ويعتقد انه قتل في التعذيب ، وتقول “لا نعرف عنه أي شيء حتى هذه اللحظة منذ 2014 وحتى 2021 ، لا نعرف إن قتل أم بقي في السجن، اختفى، وبقيت وحدي مسؤولة عن أطفالنا”.
طريق اللجوء
قررت خديجة أن تهرب بأطفالها إلى خارج حمص، “دفع أهلي ما يقارب مليوني ليرة سورية، لتهريبي”، وذلك خوفا من أن يتم اعتقالها مرة أخرى، “هذا المبلغ كان ضخما على أهلي في 2015، ولكن قرروا أن يساعدوني”.
واستقرت خديجة أولا في إدلب لمدة 3 أعوام، حيث تتكرر المآسي هناك يوميا، بين أمطار غزيرة أغرقت خيامهم في فصل الشتاء، وبين درجات حرارة لا تحتمل في الصيف، “كانت فترة صعبة، ومع تواجد الأطفال كان الأمر أكثر ثقلا، فقررت بعدها أن أختار مكاناً آخر، ربما يستطيع أبنائي العيش فيه بشكل مريح”.
ومن هنا انطلقت بطريقها إلى تركيا، “لم يكن مسار اللجوء متعبا، بمقدار محاولة الإبقاء على حياة عائلتي في تركيا”، عملت خديجة مع أطفالها هناك في زراعة البصل والليمون والبرتقال والثوم، كانت ساعات العمل طويلة جدا، ومتعبة جدا “كان السماسرة المسؤولون عن إيجاد العمال، يتواصلون معنا، ونعمل على جمع المحصول”، ومع ذلك فإن في كثير من الأحيان تعرضت للاحتيال، ولم تحصل على راتبها، “لطالما هرب السمسار مع مالنا، دون أن يعطينا حقنا .. “.
ومع ذلك فهي ممتنة لما تعلمه ابنها البكر، وتضيف بكل فخر “استطاع ابني البكر أن يتحدث اللغة التركية بطلاقة خلال عام فقط ورغم انه طفل ولكنه كان يتصرف مثل الرجل “.
ومدفوعة بحلم تعليم أطفالها والحياة في استقرار تقرر اللجوء لأوروبا على أمل الوصول للسويد أو ألمانيا كما يفعل السوريين .. ولكن الطريق بدء إلى اليونان، وتقول خديجة :- “لم تكن الطريق سهلة، ولكن مررنا بذات الصعوبات التي مر بها كثير من اللاجئين، ووصلنا وأخيرا إلى جزيرة ساموس اليمنية عام 2017”.
بقيت مع أطفالها هناك لمدة 6 أشهر، حتى نقلتها الحكومة اليونانية إلى منزل متهالك مع عائلتها في أثينا، ومن ثم اضطروا لتقديم اللجوء في اليونان كونهم اضطروا للتبصيم ، ولا يملكون المال لمواصلة الطريق لألمانيا والسويد ، ولكنهم اضطروا للانتظار نحو عام ونصف لإجراء مقابلتهم للبدء بإجراءات اللجوء، وتقول خديجة “لقد حصلنا على الإقامة في 2020 “.
خطر التشرد
لم يكن الحصول على الإقامة هي النهاية السعيدة التي قد تحل جميع مشاكل خديجة وعائلتها، إذ بناء على القانون اليوناني، فإن كل من حصل على الإقامة سيتم قطع المعونات التي يتلقاها عنه، ويجبر للبحث عن عمل، وهذا يعني أن على خديجة، وهي المعيل الأساسي لعائلتها العمل، وإيجاد مكان إقامة جديدة.
“لقد أعطوني إنذارا لإخلاء المنزل، ورفضت، أخبرتهم أن بإمكانهم استدعاء الشرطة…كيف سأخرج من هناك؟ هل سأنام في الشارع مع أطفالي؟”، هذا الخيار ليس مستبعدا، إذ انتشرت عائلات لاجئين عدة في مختلف أزقة وساحات المدينة، بعد أن لم يتمكنوا من إعالة أنفسهم، أو تم رفض طلب لجوئهم.
“سوف أنقذ أطفالي”
يرتدون ملابسهم النظيفة والمهندمة، يبدو عليهم السعادة والراحة، هكذا قد تصف أطفال خديجة كلما رأيتهم يعبرون الشارع، ليلحقوا الحافلة التي تقلهم إلى أطراف مدينة أثينا، فرغم الخوف والإحباط الذي تعرضت له خديجة، والقلق الذي يبثه بها المستقبل، إلا أنها قررت أن تأخذ بيدها زمام الأمور، ” لقد قررنا جمع قناني البلاستيك وبيعها”.
يلبس أطفالها أجمل ما لديهم، “إنهم يخجلون من حقيقة اضطرارهم لجمع القناني، ولهذا يرتدون ملابس جميلة ومرتبة، حتى لا يعرف الجيران بذلك”، ويفضلون جمعها في أماكن خارج المدينة حتى لا يتعرف عليهم أحد.
تجمع خديجة مع أطفالها ما يقارب 10 إلى 25 يورو يوميا من ثمن القناني، وهو ما يكفي لإطعامهم، وتوفير الحاجيات الأساسية، والتوفير لتعليمهم.
المستقبل في التعليم
اضطر أطفال خديجة للتوقف عن الذهاب للمدرسة، بسبب إجراءات فيروس كورونا، ولكنها تعتبر التعليم أمرا أساسياً، ويمتلئ وجهها بالحيوية ويضيئ محياها كلما تحدثت عن رغبتها في تعليم أطفالها، “أريد فقط أن أوفر لهم بيئة تعليم جيدة، أطفالي أذكياء ومميزون .. ولا أملك شيء للمستقبل إلا تعليمهم”.
وتضحك بكل طاقتها، وهي تخبرني أن لديها خطة مميزة وفريدة، “سوف أحاول نقل أطفالي إلى دولة أوروبية فيها مستقبل أعظم من هنا”، ولكنها ترفض البوح باسم الدولة التي تخطط للذهاب إليها، “سوف أحاول الوصول إلى بلد ليس فيه الكثير من اللاجئين أو المخيمات، حتى لا يبقى أطفالي دون تعليم، ويقضون سنواتهم في خيم”. لن أذهب للسويد أو ألمانيا .. لا مكان هناك لمهاجر جديد ؟؟
وتنهي حديثها بعد تنهيدة طويلة، “كل ما يهمني أن أوصلهم هناك، ولو مت بعدها فلا يهمني”.