هكذا تتم عمليات تهريب اللاجئين للسويد وألمانيا!
رغم التشديدات الأمنية على حدود دول أوروبا الغربية، لا يزال تهريب اللاجئين مستمر ، وربما طريق المهاجر من تركيا إلى اليونان الأكثر خطورة … ولكن طريق المهاجر من اليونان إلى السويد أو ألمانيا هو الأكثر صعوبة ..وكلفة !
بعد الوصول لليونان من تركيا بالطرق المعروفة تبدأ رحلة اخرى شاقة ، ورحلة الوصول للسويد أو ألمانيا من اليونان تبدأ بالبحث عن مهرب ، أو التواصل مع قريب يوفر لك وثائق أوروبية للعبور ,,,, قد يستغرق الأمر ساعة تقريباً للتعرف على أماكن يمكن أن نلتقي فيها بمهربي اللاجئين.
قادنا البحث الأولي إلى ميدان أومونويا، أحد أقدم مناطق التسوق وأكثرها ازدحاماً وسط العاصمة اليونانية أثينا.
يقع الميدان عند تقاطع ستة شوارع رئيسية، تربط بينها أزقة ضيقة. تضم المنطقة مئات المتاجر والمحلات الصغيرة، أغلبها لمهاجرين آسيويين.
الأرصفة هنا غير مرتبة، الناس هنا يتحدثون ويصيحون باللغة الهندية أو العربية. يشعر المرء للحظة أنه من الصعب التصديق أنه مازال في أوروبا ! بعد خمس دقائق في السوق تذكرنا أننا هنا في مهمة صحفية.
إنها الظهيرة والأعمال التجارية في أوج نشاطها. قررنا أن نتناول الغداء مبكراً في مطعم باكستاني. الطاولة التي وراءنا كان يجلس عليها باكستانيان قالا لنا إنهما وصلا للتو إلى أثينا، وأضافا: “الآن نخطط أن نواصل الطريق إلى ألمانيا أو السويد وربما هولندا بمساعدة المهربين”.
في البداية يبدو أن هدفهما بعيد المنال، لكن بعض المحادثات الإضافية في المطعم وفي الشارع دفعتنا للتقصي أكثر. أخبرنا بعض الباكستانيين الذين كانوا يبيعون السجائر في الشارع عن مقهى يعتبر بمثابة ملتقى بين المهربين والمهاجرين. أحدهم حذرنا من كشف هوياتنا إن أردنا أن نلتقي المهربين وقال: “يمكن أن يشكل ذلك خطراً عليكم”.
بعد عشر دقائق وصلنا إلى المقهى. كان يبدو كأي مقهى آخر في المنطقة، لكن الرجال الثلاثة الذين كانوا يجلسون في الخارج كانوا فضوليين بشكل غير عادي، وسألونا عن هوياتنا وعمّا نفعله هنا.
بعد محادثة استغرقت 20 دقيقة، قلت إن زميلي -الذي تظاهر بأنه مهاجر- يبحث عن طريقة للوصول إلى ألمانيا. فقال رجل منهم: “لا يزال الناس يُنقلون بانتظام إلى السويد وألمانيا”، وأضاف: “في السابق كانت مجموعات كبيرة تحاول عبور الحدود عبر طرق العبور الرئيسية. لكن هذه الطرق مغلقة الآن وهناك الكثير من الدوريات حولها”، وتابع:..
“الآن يأخذ المهربون مجموعات أصغر من 3 إلى 4 أشخاص ويعبرون معهم الحدود عبر الغابات ليلاً وفي المناطق التي لا توجد فيها دوريات”. وأكد الرجل أن “الحدود ليست مغلقة بالكامل، فلا يمكنهم وضع الشرطة في كل مكان”، مشيراً إلى أن “الرحلة” تكلف ما بين 3 آلاف إلى 5 آلاف يورو.
وقال رجل آخر: “يمكنك الذهاب عبر طريق الجو أو سيراً على الأقدام، وهذا يعتمد على مدى استعدادك لإنفاق الأموال”، مشيراً إلى أننا سنجد الكثير من الأشخاص المستعدين لـ “تقديم المساعدة بالسعر المناسب”.
كان يبدو أن الرجال الثلاثة الذين يتحدثون معنا ذوي خبرة، إذ قدموا لنا معلومات كافية لنبقى مهتمين، دون أن يعطونا تفاصيل دقيقة. وعندما طلبنا التواصل مع أحد المهربين مباشرة، اتصل أحدهم بمن قال إنه مدير المقهى.
ظهر شاب وسأل عن المستندات التي بحوزة زميلي “المهاجر”، وقال: “تعال الليلة الساعة التاسعة مساء وأحضر معك جميع الوثائق التي لديك، لنوضح لك التكلفة والطريق والشخص الذي سيأخذك معه”. كان المقهى بالفعل يقدم أكثر من القهوة والشاي!
أصحاب المتاجر هم الضامنون!
بعد الظهر قررنا زيارة حديقة “فيكتوريا بارك” في المدينة، والتي يسميها السكان المحليون “الحديقة الأفغانية”. اسم الحديقة معروف على وسائل الإعلام ويرتبط بالعديد من الجرائم مثل استغلال القاصرين في الدعارة وتعاطي المخدرات. كما أن المهاجرين يفترشون العشب في الحديقة وينامون فيها.
رأينا عشرات من المهاجرين الأفغان، وبعد الدردشة مع عدد منهم، أخبرَنا أحدهم عن ثلاثة محلات تجمع المهربين والمهاجرين. وادّعى الرجل أنه أرسل أربعة من أفراد عائلته إلى السويد بمساعدة المهربين، وقال:
“يوجد محل لصرف العملات خلف هذا الشارع مباشرة، حيث يمكن للمرء لقاء المهربين”، وأضاف: “يعمل صاحب المحل كوسيط”. وأوضح الرجل أن الصفقة تتم في المتجر حيث يدفع المهاجر المبلغ المتفق عليه لصاحب المحل، والذي يقوم بتسليم الأموال للمهرب عندما يصل المهاجر إلى وجهته النهائية، مشيراً إلى أن التكلفة “تتراوح ما بين 3 آلاف و5 آلاف يورو”.
كما أخبرنا الرجل أنه إذا تم توقيف المهاجر في المطار أثناء محاولته الخروج من اليونان، فلا يتعين عليه وقتها دفع التكاليف، بل يتحمل المهربون الخسارة، موضحاً أن أصحاب المتاجر يعملون كضامنين.
ثم شرح لنا الرجل طريقة عمل المهربين، وقال: “يمتلك أصحاب المحلات والمهربون وثائق للمواطنين اليونانيين بالإضافة إلى وثائق للسياح، وبمجرد أن يأتي إليهم زبون، يحاولون العثور على جواز سفر أو بطاقة هوية لشخص يشبه الزبون”، وتابع: “في بعض الأحيان يعملون على تغيير مظهر المهاجر قليلاً ليجعلوه يبدو وكأنه الشخص صاحب الجواز الذي يستخدمه للوصول إلى بلده الأوروبي المفضل”.
ما أدهشنا كان سهولة التواصل مع المهربين والمتورطين في عمليات تهريب البشر، التي مازالت تشكل تحدياً كبيراً للاتحاد الأوروبي. وجدنا كصحفيين أنه من السهل على أي شخص الوصول إلى المهربين في مدن مثل أثينا التي تعتبر مركزاً للمهاجرين.
وهذا ما يشكل تحدياً للسلطات الأمنية في الدول الأوروبية، والتي يبدو أنها ستحتاج وقتاً طويلا لمعالجة هذه المشكلة.
المصدر
مهاجر نيوز –
عاصم سليم/م.ع.ح