مهاجر نيوز

سوريون في ليبيا: “لم نعد نأبه لشيء.. سنعبر البحر حتى لو كان الموت مصيرنا”

أمير وابن خاله خالد، شابان سوريان كانا يخططان برفقة أصدقاء، الصعود معا على متن القارب المنكوب الذي أبحر من سواحل شرق ليبيا، في رحلة عبور أدت إلى فقدان مئات المهاجرين غرقا. صعد خالد على متن القارب ونجا بنفسه، فيما توفي آخر غرقا ولا يزال ثلاثة آخرين في عداد المفقودين. أما أمير، ورغم خبر الفاجعة، لا يزال برفقة عشرات السوريين في طبرق الليبية، بانتظار ميعاد رحلتهم، و”مواجهة الموت”.



كانت خطة أمير* تقتضي بأن يخوض غمار البحر المتوسط برفقة قريبه وأصدقائه انطلاقا من ليبيا باتجاه السواحل الإيطالية، لكن تغيّبه، لدقائق قليلة، كان كفيلا بأن يجنّبه الرحلة المأساوية، التي راح ضحيتها مئات الغرقى والمفقودين الذين لم يُعثر سوى على جثث 82 منهم.



يروي الشاب السوري البالغ من العمر 31 عاما، آخر اللحظات التي رأى فيها أصدقاءه الذين لا يزالون مفقودين، قبل أن تنقلهم سيارة أحد المهربين إلى سواحل مدينة طبرق، حيث أبحر قارب صيد كبير محمّلا فوق طاقته بمئات المهاجرين، وغرق بعد حوالي ثلاثة أيام قبالة السواحل اليونانية.



تغيبت للوضوء والصلاة لأعود وأرى أن سيارة المهرب غادرت
“كنا مجموعة من حوالي 60 شخصا، جميعنا من سوريا، في مزرعة يديرها أحد المهربين، حيث ننتظر تعليمات حول رحلة انطلاقنا. بعد ظهر يوم الخميس 8 حزيران/يونيو، بدأ المهربون بالقدوم ونقل المهاجرين على دفعات صغيرة بواسطة سيارتين، الأولى سوداء والأخرى رمادية، تتسع كل منهما لخمسة أشخاص”.

مجموعة من الشباب السوريين في طبرق الليبية قبيل صعودهم على متن القارب المنكوب. الحقوق محفوظة.

لم يكن المهاجرون على علم بالوجهة، “لا يخبرنا المهرب بشيء ولا نتجرأ على طرح أي سؤال”، حسبما يقول الشاب .



يكمل أمير قائلا “كنت برفقة ابن خالي خالد* وأصدقائي، وضعت حقيبتي الصغيرة في صندوق السيارة، لكن كان لدينا بعض الوقت قبل أن ننطلق. وأثناء الانتظار قررت الذهاب إلى دورة المياه للوضوء والصلاة. تغيبت بضعة دقائق فقط لأعود وأرى أن سيارة المهرب غادرت بمن فيها. وكان ابن خالي خالد من ضمن آخر مجموعة نقلها المهربون إلى الساحل”.



وبعد مرور حوالي يوم ونصف، السبت 10 حزيران/يونيو، أبحر خالد على متن قارب صيد، كان يحمل بحسب شهادات المهاجرين وتقديرات المنظمات غير الحكومية بين 500 و750 مهاجرا، يتحدرون بشكل رئيسي من سوريا ومصر وباكستان.




سنعبر البحر حتى لو كان الموت مصيرنا
انقطعت أخبار خالد والأصدقاء عن أمير وباقي المجموعة التي بقيت في ليبيا، “وبعد بضعة أيام أخبرنا أحد الوسطاء الذي يعمل لدى المهرب أن القارب يواجه مشاكل وأن ستة أشخاص، باكستانيين ومصريين، فقدوا الوعي بعد نفاد الماء والطعام”. وعلم الشاب لاحقا أن القارب انقلب وأودى بحياة أغلب ركابه.



لربما نجا أمير بحياته وتجنّب هذه الرحلة المأساوية، إلا أن خطر الموت لا يزال يتربص به.

دفع الشاب وأصدقائه حوالي 4,500 دولار (للشخص الواحد) ثمن الرحلة، ورغم خبر الفاجعة لا يزال الشاب الثلاثيني مصمما على عبور المتوسط، “فلا خيار آخر لدينا سوى البحر”، حسب تعبير الشاب الذي يكمل بنبرة يشوبها مزيجا من اليأس والتصميم “سنعبر البحر حتى لو كان الموت مصيرنا”.



من مخيم الزعتري إلى المجهول

وصل أمير إلى ليبيا منذ حوالي شهر ونصف، بعد أن “سئم الحياة” في مخيم الزعتري للاجئين في الأردن لأكثر من عشرة أعوام، ويقول “غادرت سوريا في العام 2013، وحاولت بشتى الوسائل إيجاد أي طريق آمن للوصول إلى أوروبا، لكن جميع محاولاتي بالحصول على تأشيرات كانت دون جدوى”.



العودة إلى سوريا ليست خيارا مطروحا، “لأنني مطلوب لدى سلطات النظام السوري وسأتعرض حتما للاعتقال”. أما الأردن، “والتي رغم الحياة البائسة فيها، فلا يمكنني العودة إليها حتى لو أردت ذلك، فأنا كنت لاجئ هناك والسلطات لن تسمح لي بدخول أراضيها مجددا”.



البقاء في ليبيا “مستحيل، فكل شيء سيئ هنا ولا نستطيع حتى الخروج من هذه المزرعة. نخشى التعرض للاعتقال من قبل المليشيات التي قد تضعنا في سجون وتطلب مننا أموال للخروج. هنا، لا يرون المهاجر كإنسان، بل مجرد حقيبة أموال يمكن السطو عليها”.

يقيم الشاب حاليا في مزرعة يديرها المهربون برفقة حوالي 40 شابا سوريا، فيما يوجد في مزرعة أخرى مجاورة حوالي 60 عائلة من السوريين. ينتظر الجميع “مواجهة الموت” وخوض غمار المتوسط، “لم نعد نأبه لأي شيء آخر”.



بعد أيام من القلق، علم أمير أن ابن خاله خالد نجا من حادثة الغرق ونقلته السلطات كما أغلب الناجين الـ104، إلى مخيم مالاكاسا المغلق على أطراف العاصمة اليونانية أثينا، لكنه لم يتمكن من التواصل معه على الفور. فيما نددت جمعية “الرابطة السورية لحقوق اللاجئين” بتعامل السلطات اليونانية مع الناجين ومنع “المنظمات الإنسانية وأهالي المفقودين وأقاربهم والصحافيين من الوصول إلى الناجين من الغرق والتواصل معهم”.




واصلت السباحة ونجوت بنفسي
بعد أن أبحر قارب الصيد على غير هدى لحوالي ثلاثة أيام، رصدته أخيرا طائرة وكالة حرس الحدود الأوروبية “فرونتكس”. لكن رغم عثور خفر السواحل اليوناني على المركب ومراقبته، تعرض المهاجرون للغرق ولم ينج منهم سوى 104 أشخاص، اضطر بعضهم السباحة للنجاة بحياتهم.




استطاع أمير أخيرا التحدث مع ابن خاله خالد في اتصال هاتفي، تمكن فريق مهاجرنيوز من الاستماع إليه.

يروي خالد لحظة ربط خفر السواحل اليوناني قارب المهاجرين بحبل وسحبه بقوة ما أدى إلى اهتزاز القارب وغرقه أخيرا، ويقول “بعد أن سقطت في المياه، جاهدت لأواصل السباحة وصولا إلى سفينة خفر السواحل اليوناني الكبيرة، لكني كنت كلما اقتربت منها كانت الأمواج تدفعني بعيدا”.



تمكن خالد من مواصلة السباحة، إلى أن رأى قاربا مطاطيا خلفه كانت السلطات رمته في المياه، “استمريت بالسباحة حتى وصلت إلى القارب وصعدت إليه. نجوت بنفسي من الغرق”.

رغم الصدمة التي تعرض لها خالد وغيره من الناجين، يقيم هؤلاء في المخيم المغلق ولا يتجرأون للحديث مع وسائل الإعلام، ويقول “نتعرض للتهديد من قبل الشرطة التي تمنعنا من التواصل مع الصحافة، ويهددونا بالاحتجاز أو بإرسالنا إلى تركيا”.



نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن عائلات وناشطين، أن أكثر من 141 سوريا، الجزء الأكبر منهم لا يزال في عداد المفقودين، كانوا على متن القارب المنكوب.

يقول أمير إن أحد أصدقائه “مات غرقا”، فيما لا يزال ثلاثة آخرين في عداد المفقودين “لا يزال لدينا أمل، فهم يجيدون السباحة.. لربما نقلتهم السلطات إلى المشفى”.




المصدر

مهاجر نيوز DW

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى