قصص المهاجرين واللاجئين

“راما” لاجئة سورية بعد 5 سنوات من الانتظار في السويد حصلت على رفض وترحيل لسوريا

كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل عندما وصلت راما، الفتاة السورية ذات العشرين عامًا، إلى محطة قطار مدينة مالمو جنوب السويد، قادمة من رحلة تهريب طويلة وقاسية ومكلفة، بعد رحلة محفوفة بالمخاطر عبر أوروبا. كانت تحمل في قلبها آمالاً كبيرة بحياة آمنة ومستقبل مشرق بعيدًا عن أهوال الحياة في بلدها سوريا. لم تكن وحدها، بل كان معها العديد من اللاجئين من سوريا والعراق، حيث كانوا مجموعة من خمسة أشخاص بينهم “راما”.




بدأت راما حياتها في السويد كغيرها من اللاجئين في مركز اللجوء في مالمو، تسعى للحصول على حق الإقامة، فهي لديها قضية قمع عائلي. بعد وفاة والدها وزواج والدتها من رجل آخر، تعرضت لاضطهاد من زوج الأم وأبنائه. كان زوج الأم، الذي لديه أبناء من زوجة أخرى، قد قرر تزويجها من أحد أبنائه.




وجدت “راما” أن حياتها صعبة في بلد مثل سوريا يفتقر إلى قوانين حماية الفتيات، وفي ظل صراع مع مجتمع ذكوري وقلة فرص العمل أو اللجوء لمن يحميها، قررت الهجرة إلى أوروبا، وتحديداً السويد، حيث هاجر مئات الآلاف من السوريين.

فور وصول “راما” إلى السويد، وجدت مجتمعاً منظماً وجديداً وقوانين مختلفة تماماً. التحقت بدورات اللغة السويدية التي تقدمها الكنائس والمنظمات، وبدأت تبحث عن فرصة للدراسة أو العمل. لكنها سرعان ما اكتشفت أن العيش كلاجئة ليس سهلاً في السويد أبداً.




تقول “راما”: “كنت أشعر وكأنني بين عالمين. الكثير حاول استغلالي كوني فتاة صغيرة، ولم أجد مساعدة حقيقية من الذين تعرفت عليهم. المنظمات السويدية جيدة وتقدم خدمات، ولكن الحصول على الإقامة أمر صعب للغاية ولا يمكن لأحد مساعدتك. كنت أعتمد على نفسي في معظم الأوقات. لم يكن لدي خيار سوى تعلم اللغة ومحاولة التأقلم، والعمل في خدمات التنظيف من وقت لآخر للحصول على القليل من المال”.




تتابع راما قائلة: “اليوم عمري 25 عاماً، وبعد خمس سنوات من وصولي إلى السويد، حصلت على ثلاثة قرارات رفض وتم إغلاق ملف لجوئي مع قرار الترحيل إلى سوريا”.

تضيف: “جاءت القرارات التي قلبت حياتي رأسًا على عقب: رفض طلب اللجوء. أخبرتها مصلحة الهجرة السويدية أن سوريا أصبحت آمنة بما يكفي للعودة، وأنه لا توجد أسباب شخصية كافية لبقائي في السويد. بالنسبة لي، لم يكن هذا القرار مجرد ورقة رسمية، بل كان بمثابة حكم بتدمير مستقبلي وطموحي والعودة إلى واقع لا أستطيع مواجهته”.




تقول راما: “السويديون يرون أن سوريا آمنة، لكنهم لا يعرفون ماذا يوجد في سوريا، وماذا يعني أن تكون فتاة تعود إلى مجتمع يُمارس عليك القمع العائلي، حيث لا يُسمح لك بالعيش بحرية أو اتخاذ قراراتك بنفسك”. تتحدث راما وهي تحاول كتم دموعها، مضيفة أن المخاوف ليست فقط من تداعيات الحرب السابقة، بل من مواجهة مجتمع ذكوري قمعي قد يعيدها إلى حياة مليئة بالقيود والتزويج القسري.




ورغم ذلك، تصر مصلحة الهجرة السويدية على أن قوانين اللجوء واضحة، وأنها لا تستطيع منح اللجوء إلا لمن يثبت وجود تهديد مباشر على حياته. قررت راما الاختباء لكي لا يتم تسفيرها، رغم أن ترحيل اللاجئين السوريين من السويد إلى سوريا غير معتاد وصعب التنفيذ. ومع ذلك، لجأت إلى الاختباء، ولديها صديقات قليلات يساعدنها. تحاول البحث عن عمل “أسود” لكي تنفق على نفسها وتفكر في البدائل التي يمكنها اتباعها.




تقول راما: “حاولت استئناف قرار الترحيل بمساعدة محامٍ، لكنها واجهت تعقيدات قانونية جعلتني أشعر بالعجز. القوانين لا تفهم مشاعري أو مخاوفي. إنها فقط كلمات على ورق”.




اليوم، تعيش راما في مدينة مالمو في قلق دائم. تخشى كل يوم أن يصادفها شرطي يسألها عن أوراقها القانونية. ورغم ذلك، ما زالت تحاول المقاومة. تشارك في فعاليات مجتمعية وتحاول بناء شبكة من الأصدقاء الداعمين الذين يقفون إلى جانبها. لكنها تفكر أيضاً بمغادرة السويد، إلا أنها تخشى المجهول وتكرار التجربة المريرة التي واجهتها في السويد.




تضيف: “السويد بكل السلبيات التي أعيشها قد تكون أهون من بدء تجربة في مكان آخر بدون أصدقاء أو دعم”.

 راما: حكاية ليست فردية 
حكاية راما ليست قصة فردية، بل هي صورة مصغرة لمعاناة العديد من اللاجئين العالقين في السويد، مثل لاجئي فلسطين من العراق أو غزة والضفة، والقادمين من دول لا يمكنهم العودة إليها. هؤلاء يجدون أنفسهم عالقين بين قوانين صارمة وأوضاع شخصية معقدة. السويد، التي كانت تُعرف سابقًا بأنها ملاذ آمن، أصبحت تتبنى سياسات لجوء أكثر صرامة، تاركة الكثيرين أمام مصير مجهول.




راما اليوم تواجه المجهول، لكنها ما زالت تحمل بداخلها بصيص أمل. تقول: “لا أريد سوى فرصة لبناء حياة كريمة. أريد أن أكون شخصاً يُساهم في المجتمع. هل هذا كثير؟”.



مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى