“تجارب الموت الوشيك” تُحير العلماء … ماذا يحدث بعد الوفاة ؟
الموت هو اللغز الأبدي الذي حير الإنسان مُنذ وجوده على كوكب الأرض ـ الموت هو نهاية الحياة ـ ولكن ربما تكون هناك تجارب موت لم تكتمل وفقاً لتقرير نشره التلفزيون الألماني dw ، أشخاص من مختلف الأعمار والأوطان والأجناس، استيقظوا، بعدما كانوا على وشك الموت فسردوا قصصا غريبة، منها مغادرتهم لأجسادهم وصعودهم للسماء. فهل هذا جنون وهذيان، أم أنه ظاهرة غامضة لم يكشف العلم بعد عن كل خباياها؟
طبيب الأعصاب الألماني فيلفريد كون، الذي يبحث في الموضوع منذ حوالي ربع قرن، قال أن “العلم يصل هنا إلى حدوده القصوى عندما يتعلق الامر بلحظات الموت وما بعده . يمكن بالطبع، أن نعرف سبب الوفاة ، لكن لا يمكن أن نعرف ماذا يحدث للمحتضر في اللحظات الاخيرة فكريا وعاطفيا ومشاعر وما يرى وما يسمع ….؟ ربما يكون لنقص الأكسجين أو تأثير الأدوية بعض الهلوسة في عقل المحتضر . لكن إذا كان الأمر مجرد أوهام، فكيف يمكن للمريض رؤية الأشياء وهو ميت سريريًا؟”
ويعتقد الخبراء أن 10% على الأقل من البشر عاشوا تجارب “الموت الوشيك”. إذاعة “دوتشلاند فونك” الألمانية سألت دانيل كوندزيلا خبير طب الأعصاب في المستشفى الملكي بكوبنهاغن حول الموضوع فأوضح أن “كل هؤلاء الأشخاص (العائدين من الموت) تم إنعاشهم مرة أخرى، وتمكنت أدمغتهم من البقاء على قيد الحياة دون أي ضرر كبير.
وإلا لما تمكنوا من سرد ما عاشوه في تلك التجارب سنوات عديدة بعد وقوعها. وهذا يعني أنها تجارب تحدث في وقت لا يزال الدماغ يعمل فيه بشكل جيد”.
“الاقتراب من الموت” كما عاشه ألبرت هايم
في عام 1892، عاش عالم الجيولوجيا السويسري ألبرت هايم الذي كان متسلق جبال، تجربة “موت وشيك”، سرد تفاصيلها في الكتاب السنوي الذي يُصدره “نادي جبال الألب السويسري” تحت عنوان “ملاحظات بشأن الموت خلال السقوط”.
هايم وصف بدقة متناهية الثواني التي عاشها وهو يسقط من الجبل، وكيف أعاد مشاهدة شريط حياته في زخم من المشاعر الإيجابية، رغم أنه كان على وشك فقدان حياته. والغريب أن التجربة لم تكن مرتبطة بالخوف من الموت، بل على العكس، فقد أوضح أنه كان يسبح في بحر من سلام داخلي لا يوصف.
ماعاشه هايم دفعه إلى إجراء سلسة من المقابلات مع متسلقين آخرين لجبال الألب، حكوا له تجارب مماثلة نشرها في “دراسة” وصفت ثلاثين من “تجارب الموت الوشيك”. بعدها قام الطبيبان النفسيان روي كليتي وراسل نويس هايمز بترجمة تقارير هايم إلى اللغة الإنجليزية ونشرها في الولايات المتحدة. وكانت أساسا لموجة “دراسات الموت الوشيك” التي أجريت في الستينيات والسبعينيات.
لماذا لا تحيا الخلايا للأبد؟
تجربة “الموت الوشيك” أو “الاقتراب من الموت” Near death Experience NDE هي تجربة تعبر عن مجموعة من “الرؤى” و”الأحاسيس” بعد موت سريري أو غيبوبة متقدمة. ومن بينها الإحساس بـ”الانفصال عن الجسد” ورؤية كاملة لشريط الحياة الماضية، ثم الدخول في نفق يُفضي إلى ضوء ناصع والشعور بحب لا نهائي وسلام أبدي.
ورغم أن ما يرويه “العائدون من الموت” تختلف بعض تفاصيله وتلويناته، إلا أن الكثير من عناصر هذا السيناريو تتكرر إما جزئيا أو كليا. لكن هناك أيضا بعض “التجارب السلبية” مرتبطة بأحاسيس الألم وعدم السعادة. كما أن بعض حالات “الاقتراب من الموت” قد تحدث في سياقات لا علاقة لها بالموت. تجربة تبدو وكأنها تتقاطع فيها اعتبارات فيزيولوجية وسيكولوجية وأخرى باعتقادات وجودية وروحانية.
ريموند مودي ـ الكتاب الذي غير كل شيء!
ريموند مودي، فيلسوف وطبيب أمريكي وأشهر الباحثين المعاصرين الذين تخصصوا في دراسة الحدود الغامضة بين الحياة والموت.
وصف مودي في كتابه بدقة العناصر التي تتكرر في سرد الذين “عادوا من الموت” كالتالي: في البداية يسمع “العائدون من الموت” ضجيجا أو رنينا، بعدها ينطلقون بسرعة هائلة في نفق طويل وضيق ومظلم، ليجد الشخص نفسه فجأة خارج جسده ولكن بإدراك تام لمحيطه. بعدها تبدأ مرحلة تأقلم بطيئة لفهم واستيعاب الوضعية الجديدة مع الوعي بامتلاك جسد، لكنه مختلف عن الجسد المادي.
يتطور السيناريو لتظهر كائنات أخرى يقول “العائدون” إنها أقارب ومعارف فارقوا الحياة. وأحيانا هناك من يروي رؤيته لـ”كائن سماوي” قد يكون هذه المشاهدات متعلقة بالمعتقدات الدينية لكل إنسان ، .. . بعدها يطرح “الكائن السماوي” أسئلة حول أفعال الحياة الدنيا.
كما أن هناك من يروي مشاهدته لشريط حياته منذ الولادة ، ولكن دون إحساس حقيقي بمفهوم الزمن. الكثيرون يحكون اقترابهم من “حاجز رمزي” يفصل بين الحياة والموت، مع العلم أن اجتيازه يعني اللاعودة.
غالبية الذين عاشوا التجربة يحكون عن أحاسيس فياضة وشعور أبدي بالحب والسعادة لم يسبق أن عاشوه في حياتهم. “العائدون” يقولون إن تلك التجربة غيرت حياتهم رأسا على عقب وغيرت نظرتهم للحياة والموت.
تعرف على حقائق مهمة ومثيرة عن الدماغ
من بين الحقائق التي لا يعرفها الكثيرون هو أن الدماغ لا يشعر بالألم. فأنسجة الدماغ لا تحتوي على مستقبلات الألم المعروفة بـ “نوسيسيبتور”. أم آلام الرأس فتعود لأسباب مختلفة، فالصداع الوعائي مثلا ينجم عن ارتفاع ضغط الدم مثلا. ويمكن للصداع أن ينجم عن التوتر الذي يؤدي إلى شدّ عضلات الوجه والرقبة. وهناك بعض أنواع الصداع ترجع لأسباب مرضية مثل التهاب الجيوب الأنفية أو الجلطة الدماغية.
مؤشرات الحياة بعد الموت ـ بين العلم والميتافيزيقا
ترى المقاربات الدينية والروحية في تجارب “الموت الوشيك” مؤشرا أنطولوجيا (وجوديا) على استمرار الحياة بأشكال أخرى بعد الموت البيولوجي. وبالطبع فإن المتدنيين يحاولون تأويل تلك التجارب حسبما يعتقدونه بالاجتهاد في البحث عن توافقات بين معتقداتهم وما يرويه “العائدون من الموت”، غير أن ما يزيد الأمر تعقيدا أن من عاشوا تلك التجارب ليسوا من المؤمنين فقط وإنما فيهم أيضا لا دينيون وملحدون .. كما أن العلم لا يتعامل مع سكرات الموت ولا يفسر الموت إلا انه توقف نبض القلب وتوقف إشارات العقل ، ولا شيء يحدث بعد ذلك.
من وجهة نظر علمية محضة، فإن علوم الطب والبيولوجيا تعتبر ما يسمى “بالروح” أو “الوعي” أو “العقل” جزء من الجسد المادي، وهي بالتالي تستبعد التفسيرات الدينية والميتافيزيقية بخروج الروح من الجسد !. ومن ثم فإن الباحثين يسعون لإيجاد تفسير علمي وعقلاني للظاهرة.
وهناك افتراض يعتبر أن التفاعلات الكيميائية الحيوية داخل الدماغ والتصورات الحسية هي التي تُولد هذه “الرؤى” في وقت يوجد فيه الجسد تحت توتر استثنائي يستشعر فيه خطر الموت الداهم. “تجارب الاقتراب من الموت” لم تلق ما يكفي من الاهتمام العلمي. كما أن الاعتقاد الديني أو المخالف للدين للباحث قد يؤثر في بلورة التأويلات المختلفة خلال دراسة هذه الظاهرة.