
العرب يدعمون روسيا في حربها … وغزو روسيا لأوكرانيا ليس حرباً بين الديمقراطية والديكتاتورية
الحرب الروسية على أوكرانيا .. حرب بشعة تحمل مآسي للشعب الأوكراني وتُدمر مجتمع كامل مسالم في أوكرانيا .. ، ولكن أليست هذه هي طبيعة الحروب ؟ عندما غزت أمريكا العراق وأفغانستان .. وعندما دمرت روسيا الشيشان و وسوريا ، وكذلك الحال في غزة التي يتم تدميرها بالسلاح الإسرائيلي دون رحمة !..
لذلك الحرب في أوكرانيا ليست كما أعلنه الرئيس الأمريكي في خطابه ، بأنها معركة بين الديكتاتورية الروسية والديمقراطية الغربية، بل هي حرب مصالح ونفوذ وتوسع، حرب الكبار الأقوياء على حساب الصغار والضعفاء.
أمريكا تحاصر إيران منذ سنين، أمريكا قامت باحتلال العراق في 2003 خارج نطاق مجلس الأمن والقانون الدولي ، أمريكا خاضت حرب مدمرة لأفغانستان ضد إرهاب حركة طالبان ثم سلمت أفغانستان مرة أخرى لطلبان ..! أمريكا والغرب الأوروبي يدعموا بكل قوة ديكتاتوريات تحكم الشرق العربي من المحيط للخليج ..الرئيس الأمريكي السابق ترامب كان صديق لديكتاتور كوريا الشمالية ! فكيف تكون حربهم في أوكرانيا حرب بين الديكتاتورية والديمقراطية ؟
المسافة بين إيران وأمريكا 11500 كيلومتر، ومع ذلك تتدخل أمريكا ضد إيران تحت ذريعة الأمن القومي الأمريكي ، ونفس المسافة كانت بين أمريكا والعراق عندما سحقت أمريكا العراق واحتلته في 2003 بذريعة الأمن القومي الأمريكي وأسلحة الدمار العراقية التي لا وجود لها !
والأمر تكرر مع أفغانستان والسودان وليبيا وغيرها ، بينما لروسيا حدود مع أوكرانيا، وجهاً لوجه على طول 1500 كيلومتر، ولها مصالحها الاقتصادية والأمنية. كذلك فإن نسبة الأوكرانيين الروس تصل إلى 17% من العدد الكلي للسكان، أي أكثر من ستة ملايين إنسان، وفي المواقع التي أعلنت انفصالها دونتسك ولوغانسك توجد أكثرية روسية تصل 70 بالمائة ، إذا كان المنطق هو الأمن القومي، فإن روسيا أحق بكثير من أمريكا في عدوانها على أوكرانيا بهذه المقاييس الاستعمارية.
في الحقيقة أنها حرب مصالح ونفوذ وإعلان الهيمنة للقوى العظمى ، من دون أن نقلّل من أهمية الشعور والطموح الشخصي للرئيس بوتين، الذي بات يرى في نفسه قيصراً يطمح إلى إعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية . إنها ليست حرباً بين الديكتاتورية والديمقراطية، ولا بين شرعية أو لا شرعية، فقد عملت أمريكا وتعمل كل جهودها لمصالحا الأمنية والوطنية ، ودعمت سابقاً وتدعم حاليا ديكتاتوريات في كل مكان في العالم .
الغرب الأوروبي وأمريكا ليست حريصة على القانون الدولي كما يقولون عندما يتعلق الأمر بمصالحهم العليا ، والعنف الإسرائيلي والاستيطان الذي ترفض أمريكا حتى إدانته أكبر برهان. .. وفي سوريا حيث لعبت روسيا لعبة قذرة على الطريقة الأمريكية .. ولكن من خلال النظام السوري وبدعوة منه، فقتلت وشرّدت من السوريين بلا حساب، فالمهم أنها ضمنت لها قواعد في سوريا، ولم تتحرك أوروبا ولا أمريكا ضد روسيا! ..
بينما كانت أمريكا أسوأ حيث ذهبت لقتل العراقيين في 2003 دون دعوة من العراقيين ! .. فإن كنا نُدين روسيا في سوريا .. فالنظام السوري هو المسئول أولاً وأخيراً … عن قتل شعبة ! ولكن ماذا عن الولايات المتحدة التي تذهب شرقاً وغرباً لبسط نفوذها وقوتها دون دعوة من احد ؟
الغريب أن الشعوب العربية تميل لدعم روسيا في حربها في أوكرانيا (تقرير واشنطن بوست – ردود الفعل الشعبية والإعلامية في الشرق الأوسط) ..ولكن ليس عداءً او كرهاً لأوكرانيا ..بالعكس أن العرب متعاطفين بشكل كامل مع الشعب الأوكراني ، ولكن موقف الشعوب العربية بدعم روسيا رغم أفعالها في سوريا هو بسبب الشعور بالظلم من المواقف الغربية الأوروبية والأمريكية التي كانت دائماً في اتجاه دعم ديكتاتوريات عربية ضد الشعوب ..ودعم إسرائيل رغم الانتهاكات والجرائم التي تقوم بها .. بل وفرض حضارتها الديمقراطية وثقافتها على الآخرين بدون “ديمقراطية” ودون تقدير لثقافة الآخرين ومعتقداتهم !
عندما ننظر في ردود الفعل الأوروبية الأمريكية سنجد كم هائل من الحزن والبكاء على أوكرانيا … وهذا وأضح إعلاميا واجتماعياً … ولكن من جانب أخر نجد أن الغرب الأوروبي وأمريكا يريدون حرب استنزاف طويلة لروسيا، فهم يعلمون أن روسيا عنيدة .. وهذه فرصة لإضعاف روسيا وإذلالها .. ولكن في نفس الوقت هذا يحتاج لوقود .. فلا بأس أن يكون الشعب الأوكراني ..
للأسف لا تقلقهم أرواح الأوكرانيين وتشردهم خارج بلادهم ! حيث أعلن الغرب أنهم سوف يستقبلونهم ويوفرون لهم الطعام والسكن والرعاية بعد أن يتم تدمير بلادهم وتشريدهم من وطنهم !
، وبدأت وعود بمزيد من السّلاح المتقدم، على غرار ما قدّمته أمريكا «للمجاهدين» الأفغان ضد السوفييت في الثمانينيات من القرن الماضي ، والإشادة ببطولاتهم حتى دُمرت بلادهم مُنذ ذاك الوقت وحتى يومنا الحالي
، لكن الغرب لا يبذل أي جهد حقيقي لمعالجة وإنهاء الأزمة الأوكرانية سياسياً ، بل يُبشر الأوكرانيين باستمرار المعارك بحرب مدن وحرب عصابات بعد سقوط بلادهم بيد الروس .. كما أن الغرب لم ولن يرسل جنوده لمحاربة روسيا ، ولا يسعى لوقف هذا النزيف، وهو يعرف جيدا أن روسيا لن تنسحب تحت الضغط العسكري بأي ثمن كان، وأن روسيا لا تهتم بتدمير أوكرانيا وجعلها ركام للوصول لغايتها ما دام بوتين هو صاحب القرار الأوحد في روسيا،
الرئيس الأمريكي يريدها حرباً طويلة حتى مع شعور الأوروبيون بخطر هذه الحرب على الأرض الأوروبية ، فالأمريكان لن يهتموا بحلفائهم الأوروبيون .. و قد فعلها سابقاً الرئيس الأمريكي ترامب الذي قرر ترك حلفائه الغربيين في الكثير من المواقف السياسية والعسكرية ، وسحب جنوده من ألمانيا .وإبلاغ أوروبا أن أرادوا الحماية فعليهم أن يدفعوا لأمريكا !
… لذلك الحرب في أوكرانيا ..هي بالفعل مأساة إنسانية جديدة في العالم تضاف لمآسي الغرب وروسيا تجاه دول وشعوب العالم ، مأساة للشعب الأوكراني وتدمير لمجتمع مسالم وتشريده كما حدث لشعوب ودول أخرى .. ولكنها ليست حرباً بين الديمقراطية الغربية والديكتاتورية الروسية كما يصفها الغرب .
مقال راي . هاني حكيم واشنطن بوست
.
ترجمة نصية من المصدر