السويد : نقل سكان مدينة كيرونا التاريخية مع بيوتهم للمدينة الجديدة
لا تستغرب، إذ أن هذا ما ستفعله بلدة كيرونا، التي تقع في داخل الدائرة القطبية الشمالية، شمال السويد، عندما يتم نقل سكّانها الذين يبلغ تعدادهم 18 ألف نسمة، إلى كيرونا الجديدة، والتي تبعد حوالي ثلاثة كيلومترات إلى الشرق.
ومن المقرر، أن تبني البلدة خلال تلك الفترة مركزاً جديداً، وحوالي ثلاثة آلاف منزل جديد. ولكن، الجدير بالذكر، أن ليس كل ما سيُبنى في البلدة الجديدة سيكون جديداً، إذ قررت البلدية نقل عدد من المنازل حسب رغبة مواطنيها من البلدة القديمة إلى الموقع الجديد.
.
ولكن، ما سبب هذه النقلة المفاجئة للبلدة الصغيرة؟ في العام 2004، بدأ سكّان كيرونا بمواجهة مشكلة كبيرة عندما أصبح منجم الحديد الخام المجاور – والذي يُعتبر الأكبر في أوروبا، ومصدر العمل الرئيسي لسكّان البلدة منذ أكثر من قرن – يشكل خطراً كبيراً عليهم.
.
وبينما بدأت شركة التعدين السويدية “LKAB” بالحفريات بحثاً عن ركاز المعادن، بدأت الشقوق تظهر في الأرض في المناطق المأهولة بالسكان. وتتوقع الشركة الحكومية التي تدير المنجم، أن هذه التشققات والكسور سوف تزداد سوءاً مع كل مرة تحاول فيها الحصول على المعادن التي يصعب الوصول إليها.
.
ورغم أن خيار إغلاق المنجم الذي أُسس منذ أكثر من 120 عاماً، قد يكون أبسط من النقل، إلّا أن سكّان المدينة الذين يعملون هناك ويبلغ عددهم أربعة آلاف موظف، كانوا سيفقدون وظائفهم. لذا، بعد مناقشات وحوارات عدة توصلت شركة التعدين إلى اتفاق مع البلدية، لنقل حوالي 6,000 شخص ممن يعيشون في المناطق التي ستتأثر في العقدين المقبلين، بحسب توقعات الشركة.
وفي خلال شهر ديسمبر/ كانون الأوّل الجاري، راحت شاحنات عملاقة تتنقّل ببطء شديد ولساعات في شوارع كيرونا، وقد حُمّلت بالمباني التاريخية التي رُفعت من أساسها على أن تُرمَّم وتركَّز في موقع جديد. ويتابع السكان في المنطقة الواقعة في الدائرة القطبية الشمالية عملية نقل المدينة بحماسة، بعدما وافقوا قبل أعوام في استفتاء شعبي على الانتقال منها بعد أكثر من قرن على تأسيسها.
وكان سكان مدينة كيرونا قد وافقوا على نقلها من دون معارضة، إذ إنّ مدينتهم أُنشئت في الأساس بسبب احتوائها أكبر منجم لخام الحديد في القارة الأوروبية، وبالتالي فإنّ عملية النقل تأتي لمصلحة توسيع المنجم بطريقة أكثر سلاسة
وكان السويديون قد تدفّقوا إلى هذه المنطقة الباردة في بداية القرن العشرين ليؤسّسوا حياة جديدة بعيدة عن مناطق الداخل السويدي، وقد توارثوا بمعظمهم العمل في المنجم الضخم الذي ينتج نحو 90 في المائة من خام الحديد في الاتحاد الأوروبي. وبحسب ما يفيد موقع بلدية كيرونا الرسمي، فإنّ كميات حديد تكفي لبناء ستة أبراج مماثلة لبرج إيفل الشهير في باريس، تخرج يومياً من المنجم.
وعملية انتقال كيرونا تجري بأسلوب دقيق جداً، ومن خلال مهندسين ماهرين في رفع المباني التاريخية من أساسها ونقلها بواسطة شاحنات ضخمة تسير لساعات لاجتياز مسافة ثلاثة كيلومترات. ومن بين تلك المباني كنيسة المدينة الخشبية التي فازت قبل أعوام بجائزة أجمل كنيسة سويدية. وحتى الآن، نُقل أهمّ 30 مبنى شُيّدت في عام 1900، وسوف تتواصل عملية نقل البيوت والمباني حتى عام 2035. لكنّ هذا لا يعني أنّ انتقال السكان إلى المنطقة الجديدة سوف يتأخر حتى ذلك العام، فقد أُنشئت عملياً البنى التحتية الجديدة، بما فيها مجلس البلدية والمساكن، مع العلم أنّ المباني القديمة التي يتعذّر نقلها والتي تقع فوق أنفاق المنجم الضخم سوف تُهدم.
وفي سياق متصل، توضح المشرفة على عملية النقل من مجلس بلدية كيرونا، نينا إلياسون، للصحافة المحلية السويدية أنّ نقل مبنى تاريخي واحد يستغرق ساعات لقطع المسافة المحدّدة، “لكن قبل ذلك، يكون المهندسون والعمّال قد عملوا لمدّة عام من أجل رفعه من أساسه والحفاظ عليه سليماً لنقله برفق إلى مكانه الجديد”.
وتشمل عملية النقل إنارة الشوارع التاريخية والمعالم القائمة “ليشعر السكان بأنّ تاريخهم متواصل” بحسب ما تذكر مسؤولة المجلس البلدي في كيرونا، كريستينا زاكريسون، في حديث صحافي، مؤكّدة أهمية نقل المعالم كما هي “إذ إنّ ذاكرة الناس مرتبطة بكيرونا (كما هي). هم عبر الأجيال، انتقلوا للعمل في المنجم، وبالكاد تجد شخصاً لم يعمل أحد أقاربه في أكبر مناجم السويد وأوروبا”.
تجدر الإشارة إلى أنّ مبنى مجلس المدينة الجديد الذي انتهى تشييده في عام 2018 سُمّي “الكريستال”، وقد أخذ شكلاً دائرياً في تعبير عن الديمقراطية، بحسب تصميم شركة هندسة دنماركية. ويساعد التصميم الدائري في التغلّب على قلة الضوء في المنطقة القطبية، إذ تُستغَّل كذلك الطاقة المستدامة كتعبير عن تماشي المنطقة مع التغيّر الأخضر للسويد في اتجاه سياسات بيئية نظيفة، وهو ما أخذته البلدية في عين الاعتبار مع سياسات نقل السكان وإنشاء البنى التحتية الجديدة.