أشعر بالألم لأنني مُنعت من دخول دول عربية بجوازي العربي، ومررت بها جميعًا بالجواز السويدي.
لا شك أن الجميع يعلم أن الدول العربية التي تتشابه باللغة والانتماء والعقيدة والمصير الواحد هي لا ترحب بالعرب إلا الأثرياء منهم ، فبين أن تكون مواطن من دول عربية تحمل جواز عربي ، وبين أن تكون مواطن سويدي تحمل جواز سويدي فروقات غريبة ومساحة كبيرة من الاختلافات.
قد تشعر بالغضب أو المذلة أو الإهانة وأنت تحاول الحصول على تأشير دخول لدولة عربية وضعت كل العراقيل أمامك لمنعك من الوصول إليها فتلجأ للرشوة والوسطة أن استطعت ، بينما فتحت أبوابها لمن يحمل جواز أوروبي سويدي ليدخلوا سالمين ويخرجوا آمنين !
قبل ثلاثين سنة تلقيت دعوة للمشاركة في أحد اللقاءات الثقافية في دمشق ، وكالعادة فأن الجنسيات العربية غير مرحب بها في الدول العربية ” وكوني أحمل جنسية عربية فأن الأمور قد لا تنتهي على خير في مطار عربي تتوجس أنظمته من الفعاليات الثقافية رغم إنها تتم بتوجيهات ومراقبة من الأجهزة الأمنية
. وبالفعل سافرت بعد الحصول على تأشيرة دخول ووجدت نفسي في مطار دمشق الأسد . وما أن نظر ضابط الجوازات إلى جوازي حتى أشار إلى احد أفراد الشرطة الذي اقتادني إلى غرفة زجاجية لا تُفتح من الداخل.
استمريت سجين تلك الغرفة حوالي ساعتين إلى أن جاء ضابط تبدوا عليه ملامح الذكاء المحدود ليسألني العديد من الأسئلة التي تحمل الرائحة القمعية المعتادة ثم تم الإفراج عني بعد استعراض العضلات الأمنية .
لن اتحدث عن واقع ومذلة الحصول على تأشير دخول لدولة عربية أو عربية خليجية فالجميع لا ينكر ذلك ويعلم هذه القصة المؤلمة وليس بطوابير النازحين واللاجئين العرب على الحدود العربية ببعيدة ، حيث أغلقت أمامها الحدود ولم يجدوا إلا الفردوس الأوروبي ليعبروا إليها بمراكب الموت ،
ولكن سوف أتكلم عن شيء أخر قد يتعرض له البعض وليس الكل ، وهو المعاملة القمعية بالمطارات العربية ، فهذا الواقع المؤلم يتكرر من مطار القاهرة لمطارات الأردن ولبنان وتونس والمغرب والعراق .. يومها قررت أن لا أذهب إلى أي بلد عربي إلا إذا حصلت على جواز أوروبي وهذا هو ما حصل بعد سنوات قليلة..
حيث وجدت نفسي لاجئ في السويد ، ثم حاصل على الجنسية السويدية خلال 4 سنوات … (بالنسبة لي حلماً غير مفهوم ) هذا الواقع ليس سعياً مني؟؟ ولكن رغبت فيه وجاء بفضل قمع الأنظمة العربية ..لا يهم جنسيتي العربية قد تكون عراقية سورية مصرية ليبية أو فلسطينية مغضوب عليها عربياً … لن يفرق المسمى ..فالنتيجة واحدة أننا لا قيمة بجوازاتنا العربية في بلادنا ..
أتذكر في القاهرة ومن وراء الغرف الزجاجية كنت أرى الأوروبيين وهم يلقون جوازاتهم على الكاونتر من غير حتى أن يبتسموا. كانت جوازاتهم تُختم بسرعة البرق من غير حتى أن يرفع الضابط رأسه ليقارن بين وجوههم والصور التي في الجوازات فجميعهم شقراً بعيون خضراء وزرقاء وأسماء أجنبية لطيفة يحملون جنسيات وجوزات تحقق لهم قدراً لائق من الاحترام والتقدير .
بالمقابل أرى تعساء الحظ حاملين الأسماء العربية الشريرة بالملامح العربية الشرقية المشبوه الذي عبر بعضهم بسلام بعد نظرات وريبة وشك ، بينما تعرقل البعض لساعات في غرف كما التي انتظر فيها ، بينما تورط القليل في مشاكل أدت لإهانته وإعادته على نفس الطائرة … والمشترك بين حاملي الجوزات العربية أن جميعهم معرضين للإهانة وعليهم السكوت ..جميعهم يشعر بالقلق من ضباط الجوزات ولا يمكن أن يفعلوا شيء إلا الخضوع ثم الخضوع ..
أتذكر وأنا في مطار عربي كبير لبلد عربي رائع هو جمهورية مصر العربية .. تم توقيفي أيضا لأني كنت بزيارات لدول عديدة محل اشتباه مثل العراق العظيم وسوريا الأسد وتركيا أردوغان .. وكان وجود أختام دخول وخروج لهذه الدول بمثابة سبباً كافياً لكي يتم سحق كرامتي لتسعة ساعات بمطار القاهرة بين الانتظار والنظرات والتحقيق وما بينهما ،
وفي نهاية الأمر أطُلق سراحي ولكني كنت أحصيت آلاف المسافرين الذين حضروا بعدي وغادروا المطار فيما كنت ما أزال في مكاني عاجزا عن الحركة أو السؤال أو فهم ما يجري لي. كان ذلك استقبالا مهينا في بلد لا يليق به أن يُهين ضيوفه الأشقاء.
بعد سنوات وفي مطار الملكة علياء بالعاصمة الأردنية عمان مررت بتجربة ليست شبيهة ولكنها تنتمي إلى السياق نفسه في إهدار الكرامة وبأسلوب أكثر تحضر ..ولكن في صمت كامل ..وهذا الواقع كان مزعج في مطار بيروت وهو مطار أمنى بامتياز ورغم ذلك فهو مخترق ويتم استعراض العضلات على الشرفاء فقط ولكن لو أردت إدخال منظومة تسليح أو ممنوعات لكان الأمر سهل في مطار بيروت .
الذاكرة لا تنتهي من الذكريات المؤلمة من المغرب العربي للخليج العربي .. ولكن يجب أن تنتهي لأني حصلت على جواز سويدي الآن .. أصبحت أجنبي لقد تحررت من صفتي الشريرة كعربي احمل جواز عربي واسم عربي لقد سمح لي هذا الجواز السويدي طيب الذكر أن أمر وأسافر من 7 مطارات عربية دون تأشيرة ودون أن يسألني أحد أي سؤال أو أين تأشيرتي والموافقة الأمنية !!
، لقد تحملت النظرات الفاحصة والغمز واللمز ولكن هذا متوقع لا زال اسمي وشكلي شرير بالنسبة لهم ! ولكني مررت بين 7 مطارات عربية يحتاج المواطن من بلدي العربي الأصلي أكثر من سبعة معجزات لكي يمر من واحدة منهم!!
… ولكن فيما كنت واقفا في طابور الأجانب بمطار عربي مشهور وكبير ..و بكل ثقة وقوة وتعالي كوني أحمل جوازاً أوروبياً سويدياً توجه إلي أحد الضباط الشباب غاضبا بحيث لم أتمكن من فهم ما كان يقول. وحين حاول أن يمسك بذراعي ليخرجني من الطابور صرخت به “ماذا تريد؟” فقال بطريقة ساخرة “مكانك ليس هنا”. حينها انتبه أحد زملائه وطلب جواز سفري ” فنظر في الجواز ” وهنا صمت متخاذلا على مضض وابتعد من غير أن يعتذر عما فعله. كان مشهدا رثا وحزينا ويدعو إلى الإشفاق، كانت الكراهية عنوانه.
عندما وصلت لأول الصف ووضعت جوازي الأجنبي السويدي لختمه والدخول ..نظر ضابط الجواز لي وللجواز وظل يقلبه وينظر .. لا أعرف لماذا يفعل ذلك ..ولكن فهمت انه جواز أوروبي سويدي لشخص ليس أشقر ولا يحمل اسم أجنبي لطيف لا زال اسمي وشكلي العربي الشرير حاضر ….!
لا زلت أحمل آلم المواطن العربي المشبوه والمتهم قبل أن يفعل شيئا ..المواطن العربي المذلول على حدود عربية تفرض عليه تأشيرات لا يمكن الحصول عليها إلا بموافقة أمنية لا يمكن أن تمنح له إلا بالرشوة والواسطة … ولكن لو هذا المواطن العربي الشرير إذا حمل جواز أوروبي أمريكي أو سويدي بعد يوم واحد سوف يدخل البلد العربي الذي منعه سابقاً بكل سهولة ..رغم انه نفس الإنسان ونفس الاسم ونفس الانتماء …ولكن ليس نفس الجواز وليس نفس الجنسية . ذلك وسام وطني وقومي نحمله على صدرونا أينما نحل. علينا أن نتذكر أنه بجوازنا العربي يمكن أن نُهان من قبل أشقاءنا بينما يتم احترامنا بجوازنا السويدي الأوروبي ..
عندما أعود إلى الحكاية الأصلية تلوح في ذهني الموقف المهين الذي تتخذه السلطات العربية في تعاملها مع المواطن العربي فالدول التي تُهين مواطنيها لا يمكن أن تمنحني الكرامة أو حياة كريمة .
أستاذ التاريخ والحضارات جامعة لوند