مشكلة بين لاجئ سوري ولبناني في إحدى القرى اللبنانية يضع مصير نحو ألف سوري في مهب التشريد
مشكلة في جنوب لبنان بين مواطنين ولاجئين سوريين يوقع جرحى، ويؤدي إلى توتر الوضع بشكل عام هناك. سكان من البلدة طالبوا بخروج السوريين منها، في حين دعت البلدية إلى عدم الانجرار وراء تلك الدعوات. ويرجع متابعون ارتفاع وتيرة تلك الإشكالات (تقع بشكل شبه يومي بين لبنانيين أيضا) إلى الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها البلاد.
أوردت وسائل إعلام لبنانية أمس الأحد 29 آب/أغسطس، أن إشكالا وقع في إحدى البلدات جنوب البلاد، بين أهالي كوكبا ونازحين سوريين، تطور إلى تضارب بالعصي والآلات الحادة. ووفقا لوسائل الإعلام اللبنانية، سقط نتيجة ذلك الإشكال جريحان من أبناء البلدة، أحدهما حالته خطرة.
عقب ذلك، سادت بلدة كوكبا (قضاء راشيا) أجواء متوترة، حيث عمد بعض السكان إلى التجمع والمطالبة برحيل السوريين عن البلدة، في حين تدخلت القوى الأمنية لتمنع أي تطور للإشكال.
ووفقا لمصادر محلية من البلدة، عقد اجتماع لعدد من الفعاليات في منزل أحد مشايخها، اتفقوا خلاله على ضرورة مغادرة كافة السوريين، محذرين أصحاب المنازل من تأجير سوريين آخرين.
المصادر ذكرت لمهاجر نيوز أنه عند الظهيرة، بدأت جموع من السوريين بمغادرة كوكبا إلى وجهة غير معلومة، حيث فضل هؤلاء، وبعضهم يسكن في المنطقة منذ أكثر من ثماني سنوات، أن يغادروا حفاظا على أرواحهم وخوفا من تطور الأزمة أكثر.
استنكار رسمي
في المقابل، أصدرت بلدية كوكبا بيانا أسفت فيه لما آلت إليه الأمور في البلدة، وقالت إن “كثيرا من العائلات من الأخوة السوريين يقيمون في بلدتنا منذ عشرات السنوات ويعمل معظمهم في قطاع الزراعة وتربطهم بأهالي البلدة والقرى المجاورة علاقات جيدة”.
وأكدت البلدية في بيانها أن “هذا الحادث فردي، وقع بين أحد أبناء البلدة وبعض الشبان السوريين، وقد تدخلت فوراً البلدية ومشايخ وفعاليات البلدة لمعالجة الموضوع بالتعاون مع الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية”.
بدوره، أدلى النائب في البرلمان اللبناني عن المحافظة التي تقع فيها البلدة وائل ابو فاعور، بتصريح أكد فيه على ضرورة وضع تفاصيل الإشكال في سياقها الطبيعي، “الاشكال الذي حدث في بلدة كوكبا فردي ويجري علاجه من قبل القضاء والأجهزة الرسمية. وكوكبا بلدة أصيلة احتضنت الأخوة المهجرين السوريين بكل أخوّة وتضامن مع الشعب السوري الشقيق في محنته، كما كل قرى راشيا والبقاع الغربي، ولا مطالبة من أهل البلدة برحيل الأخوة السوريين بل دعوة لبعضهم للمحافظة على القانون والعلاقات الطيبة واحترام أهل القرية”.
“النازحون واللاجئون الحلقة الأضعف”
وهذه ليست المرة الأولى التي ترد فيها تقارير عن توترات تقع في بلدات وقرى لبنانية، بين السكان المحليين والنازحين السوريين. ولعل أهم الأسباب الكامنة وراء تلك التوترات، وفقا للناشط عماد شري، يكمن في تدهور الأوضاع الاقتصادية العامة في البلاد وارتفاع مستويات الفقر والبطالة إلى نسب غير مسبوقة.
شري أفاد أن الاشتباكات بين مكونات المجتمعات اللبنانية باتت أمرا يوميا، مبديا مخاوفه من أن تعتاد “الناس على ذلك، وبالتالي يتحول العنف إلى وسيلة لتحصيل الحقوق، وبالتالي ستكون المكونات الأشد ضعفا، كالنازحين واللاجئين، أولى ضحايا تلك الحالة”.
نسب الفقر في لبنان بلغت مستويات خطيرة
وكانت الأمم المتحدة قد نشرت تقارير عدة تحدثت فيها عن ارتفاع مستويات الفقر في لبنان، وخاصة في أوساط اللاجئين السوريين، نتيجة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها البلاد، والتي وصفها تقرير للبنك الدولي بأنها الأولى من نوعها على مستوى العالم منذ أواسط القرن التاسع عشر.
وقدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية مطلع الشهر الجاري، أن 78% من سكان لبنان باتوا يعيشون في الفقر، في حين أشار إلى أن 36% من المقيمين على الأراضي اللبنانية يعيشون في فقر مدقع.
ووفقا لإحصاءات المنظمة الأممية، فإن أكثر من مليون لبناني يحتاجون إلى مساعدة إغاثية لتغطية احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك الوصول إلى الطعام والصحة والتعليم والمياه، فيما يعيش تسعة من بين 10 لاجئين في فقر مدقع، وهي زيادة تقدر بنسبة 55% عن نظيرتها في 2020.
وتضيف الأمم المتحدة أن ما يزيد على نصف المهاجرين في لبنان غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الغذائية، ومثلهم من العمال المهاجرين أبلغوا عن انضمامهم إلى صفوف العاطلين عن العمل (تقرير للمنظمة الدولة للهجرة).
وقال ماتيو لوسيانو، مدير مكتب المنظمة الدولية للهجرة في لبنان، إن مهاجرين كثر باتوا يلجؤون للمنظمة طلباً للمساعدة بعدما “فقدوا وظائفهم.. إنهم جائعون، وليس بإمكانهم الوصول للعناية الطبية، كما أنهم لا يشعرون بالأمان”.
وأضاف “كثر باتوا يائسين لدرجة أنهم يرغبون بمغادرة البلاد” إلا أنهم يفتقرون للأموال اللازمة لتحقيق ذلك.
وقدرت المنظمة التابعة للأمم المتحدة أن 120 ألف مهاجر من أصل 210 آلاف يعيشون في لبنان باتوا “بحاجة ماسة لدعم إنساني”.
وأظهر مسح أجرته المنظمة أن أكثر من 50% من العمال المهاجرين لا يستطيعون تأمين حاجتهم من الغذاء، ما يجبر بعض العاملات على القيام بأعمال يتعرضن خلالها للإهانة والاستغلال أو حتى بأعمال “غير قانونية”.
ويعيش اللبنانيون واللاجئون السوريون والفلسطينيون وغيرهم على حد سواء تحت وطأة ارتفاع الأسعار الحاد بسبب أزمة السيولة ومعدلات التضخم التي بلغت خلال شباط/فبراير الماضي 155% وفق تقديرات رسمية.
أبو محمد، لاجئ سوري يعيش في منطقة الطريق الجديدة في بيروت، قال لمهاجر نيوز “مضت أسابيع منذ أن أكلنا اللحم آخر مرة. الأسعار مرتفعة بشكل جنوني، والأعمال غير متوافرة، فضلا عن التشنجات القائمة حاليا بين الجميع في الشارع”.
وتحدث والد الأطفال الأربعة عن خوفه الدائم عند خروجه صباحا من المنزل وحتى عند عودته، من أن يتم التعرض له من قبل بعض من يعتقدون أن اللاجئين السوريين سبب الأزمة الحالية، “الوضع صعب على الجميع، أنا أعرف ذلك، ولكن انظروا إلى حالنا كلاجئين سوريين مغتربين نعيش الخوف لحظة بلحظة. الإشكال الذي حصل أمس في إحدى البلدات الجنوبية ليس فريدا من نوعه، الجميع محتقن والجميع غاضب والجميع يبحث عن فرصة للتنفيس عن الصعوبات التي يعيشها. لا أريد التحدث بالسياسة ولكن لأصحاب الأمر أقول: ارحموا الناس يرحمكم الله”.