لماذا السويد ودول اسكندنافيا تتقدم دول العالم في التقدم والرخاء؟
تعد السويد ، والدول الإسكندنافية ضمن أنجح دول العالم نظرا لما تنعم به شعوبها من رفاه ورخاء اقتصادي ومساواة اجتماعية، مما انعكس إيجابا على منسوب السعادة الفردية في تلك الدول، فما السر خلف النقلة التي حوّلتها من درك الفقر إلى معالي الرفاهية و العظمة مقارنتاً بالكثير من دول العالم ؟
الكاتب الصحفي ديفيد بروكس حاول الإجابة على هذا السؤال في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز، حيث تناول نهضة الدول الإسكندنافية (السويد والدانمارك والنرويج وفنلندا) وأورد وجهات النظر المختلفة بشأن أسبابها.
يرى بروكس أن محاولات فهم أسباب نهضة السويد كــ أكبر بلدان الشمال الأوروبي ، وكذلك الدول الإسكندنافية ، ليس من خلال الحديث عن الاقتصاد أو المجتمع ، ولكن من تطور الفكر الإنساني في السويد وبلدان شمال أوروبا ، وحالة السلم الاجتماعي في المجتمع .
ففي حين يرى البعض أن أسباب السويد تعود إلى الرفاهية التي توفرها لمواطنيها، يرى دعاة التحرر أن ذلك نتيجة للانفتاح الاقتصادي والسوق الحر والحريات بالمجتمع للرجل والمرأة والطفل ، ، في حين يشير مناهضو الهجرة مثل حزب سفاريا ديمقراطي ،إلى أن الرفاهية في السويد بسبب أن المجتمع السويدي ظل شعب متجانس ينتمي لعرق واحد إلى وقت قريب، الأمر الذي ساعد في نهضته .
ولكن تلك النظريات لا تصمد أمام الواقع، فالدول الإسكندنافية (السويد والدانمارك والنرويج وفنلندا) كانت تتسم بالتجانس العرقي في مطلع القرن الثامن عشر، ورغم ذلك ظلت في فقر مدقع، ولذلك اراء حزب سفاريا ديمقراطنا اليميني المتطرف غير صحيحة فالتجانس العرقي لم يخرج السويد من الفقر.
كما أن النمو الاقتصادي بدأ في السويد والدنمارك والنرويج في العام 1870 ورغم ذلك ظلت شعوبها فقيرة لفترة طويلة حيث كانت الفوائد الاقتصادية تذهب للإقطاعيين الأثرياء ، ولم ترى السويد والنرويج بداية الرخاء إلا بعد الحرب العالمية الثانية بعشر سنوات تقريبا .. وبالتالي لم يكن النمو الاقتصادي والصناعي سبب مباشر لرفاهية السويد .
اين السر ؟
السر في التعليم والإخلاص في العمل!
يرى الكاتب الصحفي ديفيد بروكس أن خبراء الاقتصاد والمجتمع أكدوا أن ما قاد إلى ازدهار المجتمعات الإسكندنافية حقا هو نظرتها المختلفة للتعليم، والمنظومة التعليمية الفريدة التي اعتمدت عليها لتخريج أجيال تتحلى بالوطنية للمجتمع والإخلاص في العمل والمسؤولية والوعي ، إلى جانب تشجيع العلم والبحث العلمي والأفكار الجديدة ، وتقديم الخدمات للمواطنين من المدينة للقرية وللفقير والثرى بمساواة ..وبالتالي تغيير كامل لفكر ومعيشة المجتمع .
وقال بروكسإن النخبة في السويد على سبيل المثال أدركت خلال القرن التاسع عشر أهمية التعليم في نهضة الأمم، كما أدركت أن نهضة السويد تتطلب إنشاء مدارس شعبية يتوفر فيها كل خدمات مدارس الأثرياء تعنى بالفئات الأقل تعليما وجعل التعليم مدى الحياة جزءًا من النسيج الطبيعي للمجتمع.
.
ووفقا لبروكس فإن المنظومة التعليمية في الدول الإسكندنافية تقوم على زرع مجموعة من القيم في نفوس الطلاب على رأسها زرع روح الانتماء للمجتمع والاعتزاز بالهوية الشخصية والمساواة وترسيخ الإخلاص في العمل في نفوس الطلاب، وتحمل المسؤولية والوعي وإشاعة الثقة بين مكونات المجتمع.
وقد انعكست تلك التربية على سلوك الناس في تلك المجتمعات، فالإسكندنافيون يتمتعون بمستوى عال من الحس بالمسؤولية، كما أن معدل الفساد في تلك الدول هو الأدنى في العالم.
وخلص الكاتب إلى أن المقاربة الفريدة التي انتهجها الإسكندنافيون (السويد والدانمارك والنرويج وفنلندا) في التعليم تجعل المرء يدرك الخلل في المنظومات التعليمية في بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة التي لا تزرع في الطالب الوعي الذي يحتاجه للنمو في مجتمع تعددي معقد.