قصة أول طفل ببشرة “سمراء” يصل إلى السويد.. احتضنته وأحبته ملكة السويد .. ورفضه الشعب والمجتمع
السويد بلد يحاول أن يكون متعدد الثقافات .. ووفقاً للقانون فأن السويد تساوي بين الجميع .. ومصطلح متعدد الثقافات يضم الكثير من المعاني مثل الدين واللون والعرق والخلفيات الحضارية … ويعود بنا التاريخ من خلال مقال في صحيفة se24 السويدية – حول أول شخص يظهر في السويد كمواطن من خلفية أجنبية مختلفة ثقافيا .. في العرق واللون والثقافة … أنه أول شخص من ذو البشرة الداكنة السوداء يصل السويد المملكة البيضاء الشقراء !.
لم تكن السويد مجتمع يعتمد على الرقيق والعبودية ..لذلك لم يكن لأصحاب البشرة الداكنة في السويد من وجود أو جذور مثل الحال في أمريكا أو بريطانيا … وقبل ما يزيد عن مائة عام من الآن كان وجود مواطن سويدي ببشرة أفريقية داكنة أمر غير مألوف في السويد … وحتى قبل 120 عاماً من الآن كان ظهور رجل ببشرة “سوداء” في السويد أمر يثير الدهشة كما جاء في “ألبوم كاريكاتور” للرسام السويدي هينينج ثولستروب 1879.
من “ألبوم كاريكاتور” للرسام السويدي هينينج ثولستروب 1879.
ولكن خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، حلّ بالبلاط الملكي السويدي طفل “ذو بشرة سوداء ” يبلغ من العمر قرابة العشر سنوات .. فكان أمر غير مألوف للشعب السويدي وطبقة النبلاء والأمراء السويديين.
جاء هذا الطفل ذو البشرة الداكنة خلال فترة تميّزت بتواصل تجارة العبيد الأفارقة نحو القارة الأميركية وانتشار ممارسة العبودية في كل العالم .. وما سمي باضطهاد البشر والعنصرية والتمييز ، وآثار هذا الطفل ذهول كل من بالقصر الملكي السويد والمجتمع السويدي .. كما آثار رفض الكثير كونه عُومل كفرد من أفراد العائلة الملكية .. كانت نظرة الأوروبيين في ذلك الوقت للإنسان الأفريقي بأنه من فئات العبيد التي لا يمكن التعامل معها أو إعطاءها تقييم اجتماعي بالمجتمع ..
كان وصول الطفل للسويد نعمة ونقمة عليه .. حيث سمح له بفعل ما يشاء عقب حصوله على حماية من شخصية الملكة السويدية لويزا أولريكا وهي الملكة القوية المتنفذة في البلاد .. و زوجة ملك السويد أدولف فريدريك (Adolf Frederick) الذي حكم البلاد ما بين عامي 1751 و1771.
خلال العام 1757، قدّم المسؤول بالقصر الملكي السويدي أندرس فون ريسير (Anders von Resier) هدية للملكة كانت عبارة عن طفل أسود، قدّر عمره بنحو 10 سنوات، للملكة لويزا أولريكا. وفي ظل رفض وكره الكثير من البلاط الملكي لوجود هذا الطفل ، حاولت الملكة السويدية لويزا أولريكا احتضان الطفل الأسود التي أطلقت عليه أسم غوستاف وهو أسم ملكي كواحد من أبنائها وعلّمته القراءة والكتابة وقواعد المسيحية وسمحت له بالعيش داخل القصر واللعب مع أطفالها كما منحته حق التصرف بحرية تامة داخل القصر وخارجه ، ولكن الطفل كان يواجه الكثير من المصاعب وعدم قبوله في القصر.
الملكة السويدية
وخلال فترة سبقت ظهور مفهوم المساواة بين البشر، أثار تواجد الطفل غوستاف بادين برفقة الملكة السويدية و أطفال الملك حالة من القلق والغضب لدى النسبة الكبرى من السويديين الذين اعتبروا الأمر إهانة للعائلة الحاكمة وللسويديين ونظروا أن هذا الطفل لا يمكن أن يحصل على الاحترام وهذا الدرجة الاجتماعية .. وذلك لآنه فقط طفل أسود.
وعانا الطفل من الكثير من الاضطهاد أثناء فترة تواجده بالقصر الملكي ، وتم تسخيره للعمل والخدمة في فترات غابت الملكة عن القصر وعن حمايته .. ولكن الملكة السويدية استطاعت تخليص الطفل مرة أخرى من حياة أشبه بحياة العبيد بالقصور وقامت بفكرة تعميد الطفل غوستاف الذي تم تعميده كمسيحي يوم 11 كانون الأول/ديسمبر 1768.
الطفل غوستاف
كان تعميد الطفل واحتضان الملكة السويدية له جواز مرور الطفل لمجتمع سويدي يرفضه ويرفض تواجده بسبب العرق واللون … ولكن الطفل حصل على تعليم ورعاية من ملكة السويد لويزا أولريكا .. وكبر وأصبح شاب . ونال إعجاب كثيرين بفضل ذكائه وثقافته حيث ساعد الأخير الشاعر كارل ميكائيل بيلمان (Carl Michael Bellman) في كتابة عدد من القصائد كما أتقن العزف على الآلات الموسيقية وشارك بالمسرحيات واتجه لجمع الكتب بمكتبته الخاصة التي قيل إنها احتوت على أكثر من 900 مجلد كان أغلبها باللغة الفرنسية وتكلم الطفل اللغة الفرنسية والسويدية والانجليزية والألمانية.
ملك السويد
بالتزامن مع ذلك، أصبح غوستاف مقربا من الملكة لويزا أولريكا التي عاملته كابنها وأحببته .. ووسط كراهية وحقد من الآخرون … تخوفت الملكة السويدية أن يفقد هذا الطفل الذي أصبح شاب مكانته في المجتمع إذا توفيت ولم يجد الطفل الحماية الملكية منها ..
فاتجهت الملكة السويدية لتأمين استقلال الشاب غوستاب .. مالياً ومادياً عن طريق منحه عددا من العقارات والأراضي التي تملكها الملكة. وعلى فراش الموت، طلبت الملكة من غوستاف التوجه لستوكهولم وإحضار صكوك .. وقالت له هذه أملاكك من الآن …أنت ستكون من النبلاء مالكي الأراضي والعقارات …
وحافظ الطفل على مكانته بالسويد حيث لم يتردد الملك غوستاف الثالث (Gustav III)، الذي استلم عرش السويد سنة 1771، في حمايته وتوفير مزيد من الموارد له لضمان استقلاله المادي .. وقال له لقد أخذت الملكة عهد مني أن اقدم لك الحماية والرعاية كــ أخ لي ..
وتعرض غوستاب بعد وفاة الملكة لمواقف تقلل من احترامه وتسخر منه وبدء ينعزل تدريجيا عن المجتمع .. حتى أنه قال بمذاكرته .. ” مُنذ وفاة ملكيتي العظيمة ,,, لا اشعر أنني أنسان إلا عندما أكون بمفردي” .
خلال فترة حياته بالسويد، لم يستطيع الزواج في أول الأمر بسبب عرقه ولون بشرته.. وعدم وجود فتيات من خلفيته الثقافية .. ولكن عندما أصبح من النبلاء الأثرياء بسبب ما حصل عليه من أموال وعقارات وأراضي من الملكة السويدية.. تزوج بالفعل ..
تزوّج غوستاف بادين بالفعل من فتيات من عائلات سويدية .بعد أن أصبح من الأثرياء ..قيل أنهم فتيات من الصعب الزواج بهم ….. كان زواجه الأول بشرط عدم الإنجاب .. ولكنه في الزواج الثاني أنجب طفل ولكنه فارق ابنه الوحيد الحياة في سن مبكر فتحول غوستاب للاكتئاب والحزن عليه وهجرته زوجته .. وكتب في مذاكرته ..لم يكن ابني فقط .. كان أيضاً أول أنسان من لوني وعرقي…؟
. حاول غوستاف الوصول لعائلته الأصلية ووظف أشخاص للبحث عنهم وصرف أموال هائلة للبحث عنهم.. ولكن نظام العبودية في ذلك الوقت كان قاسي جدا وأضاع أي فرصة للوصول لعائلته …
وفي عام 1822، توفي غوستاف .. وكتب في مذكراته .. جئت وحيداً وعشت وحيداً وأموت وحيداً … انتظر لقاء الموت لمقابلة عائلتي التي أتذكرها … ولقاء من أحبوني وأحببتهم ، مليكتي وطفلي ، إني أشتاق لهم ! .