
من دراسة اللغات لمنظفة. “لست نادمة على قرار لجوئي لأوروبا”. رفاهية الحياة في أوروبا كذبة كبيرة!
“نسرين”* فتاة فلسطينية من غزة تبلغ من العمر ٢٤ عاماً. كانت على موعد مع رحلة لجوء وهجرة من موطنها في غزة إلى أوروبا حيث أرض الأحلام واللجوء والهجرة والحياة الرغيدة ،
نسرين أنهت دراستها الجامعة في قطاع غزة المحاصر ، ولكن لا وظيفة ولا مستقبل في ظل حصار وظروف اقتصادية صعبة ، وتقول نسرين وجدت نفسي مع مئات الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل، ولتبدأ معاناتي مع المجتمع من جهة ومع البطالة من جهة أخرى.
ضغط اجتماعي واقتصادي
لم يكن سهلا علي أن ألاحق أحلامي كفتاة في مجتمع منغلق ومحاصر منذ أكثر من 10 أعوام، خاصة وأنني عشت طيلة حياتي في مدينة دير البلح في وسط قطاع غزة، وهي مدينة تتسم عائلاتها بالمحافظة والتزامها بالعادات والتقاليد.
ذهابي يومياً من مدينة دير البلح إلى مدينة غزة سواء للدراسة أو للعمل جعلني عرضة لانتقادات حادة من قبل بعض أفراد عائلتي، خاصة وأن أغلب أقربائي يعتقدون أن الزواج هو المصير الحتمي للفتاة، ولا يوجد أي داع لعملها أو لحصولها على درجة جامعية.
ازدادت هذه الانتقادات بعد انتهاء عقد عملي، وبدأت تهديدات العائلة تأخذ منحى جدياً فيما يتعلق بزواجي زواجاً تقليدياً، وحرية حركتي بين دير البلح وغزة، إضافة لقمع الأفكار التي وصفوها بـ”التحريضية” التي أشاركها على حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي اعتقدوا أنني أحرض من خلالها صديقاتي والفتيات في عائلتي ضد المجتمع وعاداته.
من جهة أخرى، مررت بضائقة مالية صعبة، خاصة وأنني كنت أساعد أسرتي المكونة من 9 أفراد أثناء عملي وفقداني لعملي أثر على أسرتي اقتصادياً، أضف إلى ذلك فشل جميع محاولاتي لإيجاد عمل آخر.
شعرت بضعف كبير وعانيت من اكتئاب حاد استمر لأشهر طويلة، خفت أن أستستلم للضغوطات المستمرة وأن أتنازل عن أحلامي وأقبل بالزواج التقليدي من شخص لا أعرفه، لأقضي ما تبقى من عمري أدفع ثمن هذه القرار، رأيت كل أحلامي تتحطم أمامي وأنا عاجزة تماماً عن تغيير واقعي.
لم يسعفني خلال تلك الفترة سوى دعم والدي لي. سأتذكر دوما حواراتي الطويلة مع والدتي التي نصحتني بالبحث عن طريقة للخروج من غزة، وحثّتني على ملاحقة أحلامي وعدم الاستسلام.
البحث عن مخرج
بدأتُ رحلة البحث عن طريقة للخروج من غزة، اعتقدتُ أن شهادة البكالوريوس في اللغات ستساعدني في الحصول على منحة دراسية. اكتشفت أن تلك كانت أوهاما وأن المهمة صعبة جدا، فهناك منافسة عالية من قبل الآلاف للحصول على فرصة للخروج من غزة.
بعد أشهر من البحث، تلقيت رسالة قبول في برنامج تبادلي يهتم بمناهضة العنف ضد المرأة وتمكينها أُقيم في جمهورية التشيك بتنيفذ من المركز الشبابي للمعلومات في مدينة سلاني( ICM Slaný). كنت الفتاة الأولى من غزة التي تُقبَل في هذا البرنامج، وهنا بدأت معاناتي للتمكن من السفر.
بعد أسابيع من المحاولات والاتصالات مع الجهات المسؤولة في غزة، خرجتُ في آب/أغسطس الماضي من معبر رفح البري (الذي يفصل بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية). تلقيتُ اتصالاً في مساء يوم سفري للتوجه مباشرة للمعبر، خرجتُ دون أن أودّع أهلي، كنت أعلم أنني لن أعود إلى غزة، ولكني لم أكن على دراية بوجهتي.
التفكير في طلب اللجوء
قضيت بين مصر والأردن قرابة الشهرين لاستكمال إجراءات الفيزا الخاصة بالتشيك، قبل أن أركب الطائرة للمرة الأولى في حياتي متوجةً إلى التشيك.
تشاركتُ خلال البرنامج التدريبي غرفة مع فتاة تشيكية. تحدثنا بشكل يومي عن حياتنا وأحلامنا، لأتفاجأ بها تنصحني بأن أبقى في أوروبا بعد أن عرضَت علي أن ترافقني إلى بلجيكا، فهناك حسبما قالت لي قوانين اللجوء أكثر مرونة مع الفلسطينيين.
هربنا سوية في آخر أيام التدريب عبر غابة قريبة. استقلّينا سيارة أجرة إلى محطة القطار القريبة، ومنها إلى محطتي الأخيرة، بروكسيل.
كانت فترةً مليئة بالرعب، حاول منظمو البرنامج التدريبي التواصل معنا، أرسلوا تهديدات لعائلة زميلتي في التشيك، حتى أنهم تواصلوا مع عائلتي في غزة لأتراجع عن قراري.
شعرتُ بالضياع والضعف، لكنني علمت جيداً أنني قد تجاوزتُ مرحلة التراجع عن قراري، فمضيتُ في طريقي.
مخيم اللجوء
كانت أشهري الثلاثة الأولى في المخيم كارثية، كنت أعيش مع 7 لاجئات في غرفة واحدة، عانيت من سوء النظافة وسوء التغذية، لم أستطع النوم دون تناول المهدئات، عانيت من كوابيس مستمرة، ذكريات الحروب الإسرائيلية والقصف على غزة لم تفارقني، فضلا عن تخيلات عودتي لغزة.
بعد 10 أشهر في مخيم اللجوء، يجب أن أعترف أن كل ما سمعته قبل قدومي إلى أوروبا عن جمال وسهولة الحياة في أوروبا كضبة كبيرة ، الحياة هنا صعبة وتكاد تكون لا تُطاق، وقد تعمل بعد الإقامة في التنظيف كما أعمل الآن ، أو في الخدمات اليدوية حتى لو كنت تحمل مؤهل جامعي ، هذا ما ينتظرك في أوروبا . لذلك نحتاج جهد كبير والكثير من الحظ والكثير جدا من الوقت لكي تحقق شيء في أوروبا
قد تستمر إجراءاتي لعامين على الأقل حتى أحصل على وضع قانوني يسمح لي بالعمل والتخطيط لحياتي بشكل طبيعي، دون نسيان احتمال رفض طلب اللجوء خاصتي ومواجهة للمزيد من التعقيدات.
على الرغم من كل ما واجهته من مصاعب، بدأتُ مؤخراً بزيارة طبيبة نفسية، والتحقت بمدرسة لغات لأسهّل اندماجي في المجتمع وأخطط لاستكمال دراستي في مجال العلاقات الدولية في جامعة بروكسل.
أنا لست نادمةً على قرار خروجي من غزة، فالضغط الذي وقع عليّ من عائلتي والمجتمع، إضافة للوضع الاقتصادي الصعب، كانا كافيين للمخاطرة والبحث عن مستقبل أفضل.
أعلم تماماً أن الطريق لازال طويلاً، ولكني مؤمنة أن أحلامي والمستقبل الذي أتمناه يستحقون هذه التضحيات.