بعد مرور 19 عاما.. هكذا يتذكر العراقيون الغزو الأميركي لبلادهم – بين متألم ومتقبل للنتائج
الغزو الأميركي للعراق واحد من أهم أحداث القرن .. حيث شكل حدثا محوريا بمنطقة الشرق الأوسط كانت ذريعته امتلاك أسلحة دمار شامل، مما أدى إلى إسقاط نظام الرئيس صدام حسين وخسائر بشرية قُدرت بمليون قتيل ومصاب… وفتح الباب للفوضى الخلاقة وانتشار للمد الإيراني بجميع دول الشرق الأوسط وجعل العراق بلداً ضعيفاً بعد أن كان قوة عسكرية صناعية ناشئة رغم النظام المركزي القمعي لصدام حسين .
بغداد – في صباح يوم 20 مارس/آذار 2003 قبل 19 عام من الآن بدء الغزو الفعلي للقوات الأمريكية ضد العراق ونظام صدام حسين ، حيث تغيرت العراق ولم تعد كما كانت !
يتذكر العراقيون اليوم 20 مارس ذكرى الغزو الأميركي لبلادهم عام 2003 الذي أطاح بنظام الرئيس الراحل صدام حسين، واسترجعوا اللحظات الأولى لبدء الحرب، وما عاشوه من أحداث. فبين متألم حزين يشعر بجرح عميق لا يمحوه طول الزمن من 2003 وحتى 2019 ..وبين متقبل لهذه الحرب ونتائجها ولو على مضض كونها خلصت العراق من نظام ديكتاتوري ..وأخيراً جيل جديد من الشباب العراقيون لا يتذكرون 2003 وما قبلها ولا يهتمون كثير بما حدث فهم يبحثون عن وطن و مستقبل !
في فجر هذا اليوم من عام 2003 توالت الانفجارات في بغداد، واستهدفت الغارات الجوية مقرات القيادات العراقية. وقتها أعلن الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الابن بداية حرب “الحرية من أجل العراق” وأطلق أسم ” الصدمة والرعب” فيما ينتظر الجيش العراقي وصدام حسين ونظامه من القوات الأمريكية التي قصفت العراق بكل ما تمتلكه من ترسانة عسكرية متطورة باستثناء السلاح النووي .
ووسط إدانة دولية ورفض الأمم المتحدة قصفت القوات الأمريكية والبريطانية العراق بلا رحمة ، وعبرت القوات البرية الأميركية البريطانية -انطلاقا من الكويت- سياج ميناء أم قصر ومحاصرة الميناء من غربه وشماله، وقطع طريقه المؤدية إلى البصرة وشبه جزيرة الفاو. واستقرت قوة بريطانية قبالة بلدة أبو الخصيب وقطعت جميع الطرق المؤدية إليها…في الوقت نفسه تم تدمير قدرات الجيش العراقي بقصف جوي وصاروخ هو الأكبر مُنذ الحرب العالمية الثانية
ونشر الإعلامي مقداد الحميدان صورة على حسابه في تويتر لأجواء مغبرة في بغداد، وعلق عليها بالقول “قبل 19 عاماً، الأجواء كانت هكذا، كان يوماً مؤلماً .. كَئيباً، والكل يترقَّب، وترقَّبنا، وتوالت علينا النَّكَبات”.
قبل 19 عاماً،
الاجواءُ كانت هكذا،
كان يوماً مؤلماً .. كَئيباً،
والكل يترقَّب .!!
وترقَّبنا!!
وتوالت علينا النَّكَبـات.ماهي ذاكرتُكَ في هذا اليوم.؟ pic.twitter.com/zxVMsCiw0t
— مقداد الحميدان (@mukdadhumaidan2) March 20, 2022
وكتب الإعلامي عمر حامد، على حسابه في تويتر “قبل 19 سنة بدأت عملية غزو العراق بحجج كاذبة، ضربت واشنطن القانون ومجلس الأمن والعالم عرض الحائط وغزت العراق” مضيفا “بوش الابن كان يبشر بالحرية والديمقراطية وبناء البلد، لكن تجربتهم الحقيقة كانت التدمير”.
وقال الناشط السياسي حيدر الزبيدي، عبر حسابه على تويتر “أتذكر كان عمري 6 سنوات، لا أعرف ماذا يحدث غير سماع أصوات القصف، خلال خروجي مع عائلتي من بيتنا لنجتمع كلنا في بيت جدي، حيث كنا نعتقد أننا إذا تجمعنا بمكان واحد سنشعر بالأمان”. وأضاف “العراق خسر الكثير من العراقيين نتيجة الحرب والقصف، وفي النهاية وصلنا إلى هذا الحال الذي نعيشه اليوم وجميع التضحيات ذهبت سدى”.
وشكل هذا الغزو حدثا محوريا في منطقة الشرق الأوسط كانت ذريعته امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، مما أدى إلى إسقاط نظام صدام وخسائر بشرية قُدرت بمليون قتيل ومصاب وملايين المشردين، وخسائر مادية للطرفين تقدر بتريليونات الدولارات، وانزلاق البلاد في عنف طائفي بلغ ذروته خلال 2006-2007. وسيطرة داعش م 2012-2017
ورغم ذريعة أسلحة الدمار الشامل المعلنة فإن أسبابا أخرى مختلفة (سياسية واقتصادية وحتى حضارية) ظلت قيد التناول في وسائل الإعلام العالمية وأروقة السياسة الدولية، وأصبح بعضها أكثر إقناعا للمراقبين انطلاقا من سير الأحداث ومآلات الحرب وتكشف أسرار تحضيراتها.
وفي طليعة تلك الأسباب تحمس الحكومتين الأميركية والبريطانية لوضع اليد على ثروة العراق النفطية الهائلة،
كما أكدت وثائق سرية حكومية بريطانية وجود علاقة قوية بين شركات ومؤسسات نفطية وعملية غزو العراق،
كما اتهم بوش صدام بأنه يمثل تهديدا حقيقيا لأميركا وحلفائها لأنه “استخدم” أسلحة الدمار الشامل سابقا كما استخدامها ضد شعبه، واتهمه بـ “تحدي مطالب الأمم المتحدة بعدم تقديم إقرار جدير بالثقة عن برامجه للأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية لمفتشي المنظمة الدولية”
وفي 7 مارس/آذار 2003، أبلغت الحكومة البريطانية النائب العام اللورد بيتر هنري غولدسميث بضرورة إعداد قرار بشأن مدى مشروعية شن الحرب على العراق دون الحاجة لقرار أممي جديد لإضفاء الشرعية على الغزو، وهو ما وافق عليه اللورد بعد أن ظل يرفضه طوال الأشهر السابقة، حسبما كشفته وثائق بريطانية سرية نشرتها حكومة ديفيد كاميرون يوم 30 أبريل/نيسان 2010 بشكل استثنائي وربما غير مسبوق.
حصيلة إجمالية
استمرت 19 يوما عملياتُ الغزو -الذي أطلقت عليه واشنطن ولندن “عملية الحرية من أجل العراق”- من بدايته وحتى السيطرة على بغداد، واجهت فيها القوات الغازية مقاومة من الجيش العراقي الذي كان يقاتل دون غطاء جوي.
أما الفترة الواقعة بين لحظة سقوط العاصمة يوم 9 أبريل/نيسان 2003 وحتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2007 فقد بلغ فيها عدد العمليات العسكرية الأميركية ما يناهز 569 عملية عسكرية، في محافظات ومناطق عراقية تتفاوت في كثافتها، حيث تأتي بغداد أولا ثم الأنبار ثم بقية المحافظات، ونُفذ 35% منها عام 2007 وحده.
وتتفاوت التقديرات للعدد الإجمالي لقتلى الغزو من العراقيين تبعا لجهة صدورها، فقد أفادت دراسة لمعهد الاستطلاعات البريطاني صيف 2007 بأن عدد هؤلاء الضحايا بلغ حتى ذلك التاريخ حوالي مليون شخص، من أصل 26 مليونا سكان العراق. وكان تقرير للمجلة العلمية البريطانية “ذي لانسيت” صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2006 قدر عددهم بما لا يقل عن 655 ألف قتيل.
أما منظمة الصحة العالمية فتعتقد أن حصيلة القتلى العراقيين تتراوح بين 104 آلاف و230 ألفا، وهو قريب من تقديرات وثائق ويكيليكس المسربة عام 2010 والتي أشارت لمقتل 109 آلاف عراقي منذ بداية الغزو. بينما اعترف الجيش الأميركي بمقتل نحو 77 ألف عراقي بين يناير/كانون الثاني 2004 وأغسطس/آب 2008، بينهم نحو 63 ألف مدني، والباقون من العسكريين.
وفي استطلاع أجراه مركز “أو آر بي” (ORB) استند إلى مقابلات ميدانية تبين أن حصيلة القتلى العراقيين بلغت مليونا و33 ألف قتيل منذ الغزو عام 2003، في حين تتحدث بعض التقديرات عن مقتل 654 ألف عراقي، 600 ألف منهم ناجمة عن أعمال عنف وفق دراسة قامت بها جامعة جونز هوبكنز الأميركية.
ووفق “هيئة إحصاء الضحايا العراقيين” فإن عدد القتلى العراقيين الذين سقطوا برصاص أميركي تخطى 106 آلاف و348 قتيلا، بينما ذكرت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “يونامي” أن حصيلة هؤلاء الضحايا منذ بداية الغزو الأميركي بلغت 359 ألفا و549 قتيلا حتى عام 2016.
ليست نزهة
على الضفة الأخرى، لم يكن الغزو نزهة لواشنطن، فبعد أن قادت القوات الأميركية عملية الغزو على رأس تحالف وصل قوام قواتها فيه إلى 150 ألف عنصر عسكري، وتكبدت خسائر جسيمة، أعلنتها وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” بعد انسحاب قوات بلادها من العراق عام 2011.
وفقدت الولايات المتحدة -وفقا لأرقام البنتاغون- 4487 عنصرا بالعراق منذ الغزو حتى الانسحاب، بينما تجاوز عدد الذين أصيبوا خلال العمليات العسكرية 32 ألف عنصر.
أما بريطانيا، الشريك الرئيس لواشنطن في الغزو، فقد فقدت 179 عنصرا من عسكرييها، ووصل عدد قتلى بقية دول التحالف مجتمعين إلى 139 عنصرا، هذا غير الخسائر المادية التي تحملتها واشنطن.
وتصل الخسائر المادية التي تكبدتها الولايات المتحدة في عملية الغزو إلى 1.1 تريليون دولار حسب دراسة أعدتها جامعة براون، والتي تعتقد أن الرقم سيصل إلى 2.2 تريليون بعد عام 2050، نظرا لرعاية المحاربين القدامى والمصابين وتبعات أخرى، وهو ما يفوق بكثير تقديرات الحكومة الأميركية التي تراوحت بين 50 و60 مليار دولار.
وفقدت الولايات المتحدة منذ 2003 حتى 2011 ما مجموعه 129 مروحية بين طائرات قتالية أو ناقلة، سقط معها أكثر من 277 قتيلا وحدها، أما على الأرض فقد تكبدت خسارة أكثر من 860 مركبة، تتوزع بين الدبابات والعجلات وناقلات الجنود.
رغم ذلك كله، يعتقد البعض أن خسائر الولايات المتحدة هذه لا تمثل شيئا لها مقابل المكاسب التي حققتها بالغزو أو بعد الغزو.